شمس الشموس
  شمس الشموس
 

بسم الله الرحمان الرحيم

محبة شمس الشموس

 


الإيمان يحتاج إلى مده بقوة جديدة كل يوم. ونحن بحاجة إلى تلك القوة دوما. وكان الرسول() يعلم أمته أفضل السبل لملاقاة الله جلَّ وعلا عندما كان يقول "اللهم اجعل خير أيامي يوم ألقاك" أي يا رب اجعل خير أيامي آخر أيام حياتي. أي عندما أغادر هذه الحياة وانتقل إلى جوارك في الملكوت. وهذا يعني أن علينا أن نسعى لكي نتقدم بحيث يكون آخر يوم في حياتنا أفضلها من الناحية الروحية.

أما من الناحية الجسمانية فإن حياتنا ستنتهي يوما. وسيختفي جسدنا ويضمحل في التراب. لذا فإن علينا أن نعِدّ روحنا للكمال حتى تكون في أفضل حال من الطهر عندما تدعى للوقوف أمام الله تعالى في اليوم الآخر.لذا فإن علينا ان نسأل كل يوم مزيدا من القوة لأرواحنا بحيث تسير بنا نحو الكمال. وعندما تكون في حال من النمو والتقدم الروحي فإن جسدك أيضاً سيزداد قوة وعافية وسيكون مصدراً للبهجة. بهذا تكون حياتك في الروح والجسد سعيدة. فلا يكون جسدك عليلا ولا تغشى روحك ظامه أو كآبة. التزود بتلك القوة يتم من خلال الطريقة، و على الاخص الطريقة النقشبندية التي تخاطب الناس عبر قلوبهم فتسبغ عليها قوة، ومع دخول القوة إلى القلوب تأتي السعادة والغبطة. فتصبح فرحا في كل الظروف. حتى في يوم حار ستكون فرحا كما لو أنه يوم بارد. لان الطريقة تنتشر في قلب المريد مناخا طيبا منعشا فتجعله أقوى احتمالا لمتابعة السير إلى الحضرة الإهية. لذا كان شيخنا شاه نقشبند أعلى الله سرََّه العالي يقول أن الركن الأهم في الملازمة الشيخ. لأن الشيخ المأذون عبر اتصال قلبه بالشيخ الاكبر يصبح متصلا بمنابع للقوة الروحية يدفعها بدوره إلى قلوب المريدين. وقد تكون هذه القوة قصيرة لكنها تعطي قوة، وقد تكون طويلة فتعطي قوة أكبر. لكن في كل الظروف من المهم أن يكون هناك يوميا صحبة بين المريدين في ما بينهم.

لكن دون أن يضعوا في تلك الصحبة أي شئ من نفسهم أو "الأنا" أو من أدران هذه الحياة. وهذه الحياة وسخة ولا بد بالتالي أن نظهر أنفسنا من آثارها باستمرار. كل من يأتي إلى هذه الحياة فهو سيسقط لا محالة في وسخها. حتى يبدأ بتطهير نفسه حتى يصبح أهلا للمثول أمام الحضرة القدسية. وكل شيئ يأتي من السماء لتعليم البشرية هو ُمنظِّف لنفوسنا. كل طريقة صغيرة كانت ام كبيرة تجلب نوعا من الطهارة لأنفسنا. وكل ما حرمه الله أو حظره يجلب القذارة إلى النفوس. وكلما تراكمت القذارة على القلب زادت الظلمة المحيطة به.

وعندما تغشى الظلمة القلب يسيطر عليه الجزع والقنوط ويخيم الشياطين في شغافة ويدعون بعضهم بعضا قائلين: هلموا! لقد وجدنا مكانا مناسبا لنا. عندها يأتي إبليس وأعوانه فسيتولون على هذا القب. وعندما يستولي الشيطان على قلب إنسان فإن هذا لن يجد السعادة أو الطمأنينة أو الأمان لحظة واحدة. بل هو سيكون أكثر كآبة وضطرابا وخوفا يوما بعد يوم. يخاف من كل شئ. يخاف من الأيام المقبلة. يخاف من كل إنسان من كل صوت فهو يتقلب في وادي الخوف لا يعرف إلى ذاك القلب لتنويره. وعندما يدخل النور في القلب فإن الشياطين تخرج منه. ويصبح كل شيئ متاح وميسر أمامه. لان الخوف يأتي من جهل الإنسان بمصيره. ومن لا يعرف مصيره يهيمن على قلبه الخوف والظلمة. أما الذي يؤمن ويعرف طريقة فإنه سيزداد راحة يوما بعد يوم، وسيطهر قلبه ويصبح في مقام من يتفتح فإن لا شئ على الارض يمكن ان يخيفه، أو يقلقه على مصيره. لذا فإننا نسعى لنقول بعض الكلام استمطار سماء الرحمة فنرسل غيثها وكراماتها علينا.

السيد عيسى المسيح مثل القمر. لكن سيد المرسلين محمدأ () هو بالمقارنة شمس. ربما تجدون اكتفاءكم في اكتمال البدر خصوصاً عندما يلقي هذا بأشعته الفضي ة على مياه المحيط. لكنكم لا تبدون اهتماما كافيا بالشمس ربما لأنه ليس في إمكانكم أن تتطلعوا إليها مباشرة، كما أنكم ترونها كل يوم. أما البدر المكتمل فإنكم لا ترونه داءما إذا يظهر مرة واحدة في الشهر.

لا تكونوا مثل جحا (نصر الدين خجا) الذي سئل مرة أيهما أفضل الشمس أم القمر؟ فأجاب: القمر ولما سئل: لكن لماذا؟ أجاب: لأن القمر يأتي في الليل فينير الظلمة أما الشمس فإنها تأتي عندما تكون الدنيا نهارا أي عندما تكون الدنيا نهارا أي عندما لا تكون حاجة بها. بعض الناس يفكر بسيدنا عيسى ويحب الاقتراب منه لأن سيدنا عيسى مثل بدر. أما سيدنا محمد فشمس.ولا يتسنى لأحد ان ينظر إليها مباشرة وهي بالتالي تحتاج إلى قوة بصر وبصيرة وعلوهمة. ولا يوجد مقياس أو مقابل لسيدنا محمد. ولا أحد يمكنه ان ينظر إلى وجهه مباشرة مثلما أنك لا تستطيع النظر إلى الشمس مباشرة. لذا فإن الصحابة لم يكن في إمكانهم النظر إليه مباشرة وفي بعض الحالات كان ممكنا أن ينظروا إليه عندما كان وجهه خلف نوع من حجاب. والبشرية تحتاج لأن تعرف أكثر عن سيرة خاتم المرسلين سيدنا محمد () لأنك كلما عرفت عنه كلما ازداد إيمانك بما يصلك منه مباشرة. وكلما أصبح إيمانك أقوى كلما ازددت سعادة وأضاء النور قلبك. الذي كتب عن الرسول في اللغات الغربية لا يعادل قطرة في بحره. ولو أن أهل الغرب من ذوي الجحى عرفوا أكثر عن الرسول و عن كماله فإني لا اععتقد انهم سيبقون بعيدين عن الإسلام.أول أولياء الامة هم بالطبع الصحابة. ولو وصل إلى الغرب م اختبره هؤلاء من حقيقة الرسول وما شاهدوه بأم أعينهم فإن الملايين منهم سيدخلون الاسلام بلا تأخير. لكن الحكمة الإلهية تقضي بتأخير ذلك إلى حين ظهور إمام المهدي عليه السلام. وعندما سيظهر إمام المهدي عليه السلام فإنه سينبئ العالم عن سيدنا محمد ().

كان لشيخنا سلطان الاولياء درويش يقوم بخدمته وقد بقي معه 40 عاما. في يوم سأل هذا الدرويش الخادم وكان اسمه أبو بكر "يا شيخي أود منك أن تخبرني عن نفسك وخصوصاً مرتبك أمام الحضرة". عندها أجابه الشيخ بالقول: لن تجد شخصا يقول لك عن مرتبتي. وكان يعني بالقول إن عظمة الشيخ لا يمكن أن يعلمها إلا شخص وصل إلى مرتبة مماثلة على الاقل. وهذا الشخص وحده يمكنه أن يتكلم عن مرتبتك.

و أضاف سلطان الاولياء عبد الله الفائز الداغستاني مخاطبا أبو بكر: لا تسعى لان تجد الآن ما تطلبه. ربما ستعلم عندما يأتي المهدي. حتى عندها لا أعلم إذا كان أحدا سيبلغ عن مقامي عند الحضرة. وهذا في الحقيقة أعلى مقمات الاولياء. ومن في هذه الحال يمكنه أن يتحدث عن مقام خاتم المرسلين سيدنا محمد ()؟ لأنه مهما بلغنا فإننا لن تغطي إلا نقطة في بحره. لأنه لا يمكن لأحد أن يكون في نفس المقام الذي خصه الله به. فهذا المقام واحد لا ثاني له. فسيدنا محمد () واحد و قد خلقه الله وحيدا ولن يخلق محمداً آخر.

لذا كما أن من المستحيل أن يعلم المرء أو يشرح سلطان الاولياء فإن ما نعلمه ونقوله عن الرسول() يعكس فقط ما أمره الله أن يبلغه أو يكشف عنه للأمته. و هذا الذي كشفه الرسول() ليس سوى نقطة من بحر علمه وخصائص مقامه المعظم الذي جادالله تعالى به عليه. لذا فإن معرفة المزيد عن سيدنا محمد () يعطي قوة للروح وغبطة للقلب وانتعاشا وقوة لكياننا وجسدنا. كما أنه يشحذ بصيرتنا ويلهب إيمانن بحيث يستحيل أن يسرب الملل أو الضعف إلى قلبنا. لأن قوة القلب تتغذى من محبة الرسول(ص). غفرالله لنا وصلى الله على سيد البشر وحبيب الله وخاتم الرسل ومده بكرامات لا تنقطع بحيث لا يرتقي أحد لمقامه المعظم في جنة الوسيلة.

 الشيخ ناظم الحقاني ـ لندن 22ـ9ـ1989

 

 
  3001660 visitors