شمس الشموس
  محمّد صلّى الله عليه وسلّم
 

بسم الله الرحمن الرحيم

عاد النور إلى النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم

في الجزيرة العربية وفي الوادي الصحراوي لمكّة , وبالقرب من المكان الذي ضرب به إبن راحيل برجله الأرض فخرجت منه زمزم , وبالقرب من المكان الذي بنى فيه إبراهيم بيت الله عزّ وجلّ  , وبالقرب من مقابر الأنبياء الآخرين وفي ليلة صحراء دافئة ولد طفل سنة 570 ميلادي . كان الطفل إبن رجل وإمرأة من سلالة إبراهيم عليه السلام من خلال إبنه إسماعيل عليه السلام . كان الرجل يدعى عبد الله والمرأة تدعى آمنة . لم يكتب لعبد الله أن يعيش ليرى إبنه . عندما ولدت آمنة الطفل قالت بأنّ وجهه كان مضيئا كالقمر الذي يشعّ في الليل . كان هذا هو الطفل الذي ينتظره الجميع  والذي خلق النور أصلا من أجله والذي سيعود النور إليه . هذا كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي فرحت الأكوان لولادته وإرتعشت حجارة الكعبة لظهوره , وبوجوده إنتشر العطر السماوي خلال الطرقات الضيّقة في مكّة .

لقد كان محمّد صلّى الله عليه وسلّم أوّل من كوّن وآخر من سيظهر . فالكمال البشري خلق فيه . فهو مثال الرجل الكامل . خلق الكون من النور المحمّدي , وخلق محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليكون نورا ورحمة للعالم . كان النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم يصلّي بإستمرار ليغفر الله عزّ وجلّ للناس وليعمّ الخير على جميع المخلوقات , وصلواته مازالت مستمرّة حتّى بعد مماته .

لكن الله عزّ وجلّ لم يمنح نبيه المحبوب حياة خالية من الألم . فقد توفي والده قبل ولادته وتوفيت والدته وهو في السادسة من عمره , فذهب وعاش مع جدّه عبد المطلّب رضي الله عنه والذي توفي بدوره بعد بضع سنوات . لقد تيتّم محمّد صلّى الله عليه وسلّم ثلاث مرّات وهو لم يتعدّى الثامنة من عمره . فذهب ليعيش مع عائلة عمّه , أخو أبيه , أبو طالب رضي الله عنه . فهو الإبن الفقير لعائلة غنية .  أحب محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأعطي كلّ العناية , لكن كان عليه أن يجد مكانه في عالم لا يرحم الإنسان الضعيف والعاجز .

بدأ  محمّد صلّى الله عليه وسلّم يتدرّب في التجارة . فذهب مع قافلة متّجهة إلى الشام . بينما كان بحيرة , الراهب المسيحي الحكيم , في كهفه في الصحراء شاهد غيمة الرحمة تتبع القافلة , ولاحظ النور الذي ينبثق من وجه الصبي الذي يركب الجمل . لقد رأى ختم النبوّة  ,علامة على ظهر محمّد صلّى الله عليه وسلّم  , وقد عرف بأنّ النبي المنتظرأحمد صلّى الله عليه وسلّم قد أتى .

كان أكثر الناس في مكّة غير متعلّمين ولم يكن عندهم وضوح الرؤية مثل بحيرة رضي الله عنه . لكنّهم رؤوا شيئا مميزا في هذا الطفل . فكانوا يأتمنوه على ممتلكاتهم  وعلى أرواحهم لمعرفتهم بصدقه وأمانته .

 عندما حان الوقت لبناء الكعبة من جديد أتى الناس إلى محمّد صلّى الله عليه وسلّم ليحل مشاكلهم . فبنوا مع بعضهم البعض جدران الكعبة , وبيد  محمّد صلّى الله عليه وسلّم المباركة وضع الحجر الأسود في مكانه في الزاوية .

أعجبت أرملة جميلة تدعى  خديجة رضي الله عنها بخصال محمّد صلّى الله عليه وسلّم فتزوّجا . جلبت له خديجة ستة أولاد صبيين ماتا وهما لا يزالان طفلين , وأربعة بنات , زينب رضي الله عنها , أم كلثوم رضي الله عنها , رقيّا رضي الله عنها  ,وفاطمة رضي الله عنها . ساعد  محمّد صلّى الله عليه وسلّم الأيتام في المجتمع وكان أبا وزوجا محبا  وتاجرا ناجحا , ومشاركا في الأمور السياسية في بلاده .  بالرغم من هذا كلّه فقلبه كان منشغلا دائما بذكر الله عزّ وجلّ وبحالة رؤيا روحانية مستمرّة , بالرغم من أنّه  ظاهريا كان كباقي الناس . لكن لم تكن جميع الكائنات عمياء كالبشر ,فالنجوم والريح والحيوانات وحتّى الشجر والحجارة كانوا يتكلّموا معه ويحيّوه بسلام أينما توجه .

ثمّ بدأ بالشعور بالحاجة ليكون وحيدا للعبادة . كانت الكعبة ملؤها الأصنام بعد أن نسي الناس في مكّة عبادة الله الواحد ربّ إبراهيم عليه السلام . لذا عبدوا أيّ شيء وكلّ شيء . لقد كان هناك 365 صنما في الكعبة , ربّ لكلّ يوم من السنة . بدأ محمّد صلّى الله عليه وسلّم يقضي وقته في الهضاب الصخرية خارج مكّة  في كهف يطلّ على الوادي, حيث يتسنّى له رؤية الكعبة دون أن يرى الأصنام فيها . فكان يصوم ويتعبّد الله عزّ وجلّ في ذلك الكهف .

في أحد الليالي , وفي السنة الأربعين من عمر النبي صلّى الله عليه وسلّم وبينما كان في الكهف  ظهر عليه جبريل عليه السلام . فألقى على النبي محمّد صلّى الله عليه  تحية السلام ثمّ أخبره بأنّ الله عزّ وجلّ قد إختاره ليكون نبيّه . يقال بأنّه من شدّة دهشة الرسول صلّى الله عليه وسلّم كاد أن يقع عن المنحدر لو لم يلتقطه جبريل عليه السلام بجناحه . إحتضن جبريل عليه السلام النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم حتّى ذهبت أنفاسه تقريبا وأمره قائلا " إقرأ" . لهث النبي صلّى الله عليه وسلّم لسماعه الأمر لأنّه لم يتعلّم من قبل القراءة . لكن جبريل عليه السلام لم يكن يأمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم أن يقرأ من كتاب بل أن يقرأ ويسرد ما كان الملائكة يصبّوه في قلبه . تلى جبريل عليه السلام بعض آيات القرآن , آخر كتاب مرسل من الله عزّ وجلّ . كرّر النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم ما سمعه فكان نور على نور . وهكذا إستمرّ جبريل عليه السلام ولمدّة 22 سنة يلقن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أجزاء من القرآن إلى أن إنتهى التلقين .

في بداية الأمر أخبر النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم أفراد عائلته فقط , ثمّ أخبر أصدقاءه المقرّبين الذين أخبروا الآخرين . وهكذا تكوّنت مجموعة من المؤمنين  حول الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالرغم من إستهزاء الناس بهم .

ثمّ تغيّر كلّ شيء . فقد أمر الله عزّ وجلّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يقوم بإعلان عام وأن يدعو جميع أفراد عائلته وقبيلته ليؤمنوا بالله عزّ وجلّ خالقهم . لكنّ الناس الذين وثقوا به من قبل وصدّقوه إنفضّوا عنه لمجرّد سماعهم ما قاله . فسخروا منه وضحكوا عليه ورفضوا دعوته بإحتقار . وبقدرة الله عزّ وجلّ قسم القمر بأصبعه في النصف , بالرغم من ذلك لم يؤمن به أحد , فعادوه لأنّه يجلب تغييرات في حياتهم ولأنّه فضّل عليهم .

الآن أصبحت الأمور صعبة في مكّة على الرسول صلّى الله عليه وسلّم وعلى المؤمنين . فقد عذّب العبيد والفقراء الغير محميّن لدرجة أنّه تعرّض بعضهم للقتل . وهكذا تجنّب الناس المسلمين ولم يعد أيّ منهم يتعامل معهم أو يشتري منهم أو يبيعهم . توفيت زوجة الرسول الحبيبة خديجة رضي الله عنها لكن لم يجرأ أهل مكّة على قتل محمّد صلّى الله عليه وسلّم بسبب وجود عمّه أبا طالب رضي الله عنه . بعد وفاة أبو طالب رضي الله عنه أصبحت حياة النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم في خطر .

في هذه الأوقات الصعبة من حياته وبعد أن فقد العائلة التي تحميه أخذ الله عزّ وجلّ رسوله إليه . فقد بعث له جبريل عليه السلام برفقة براق , مخلوق سماوي مرصّع بالجواهر جسده كالحصان ورأسه كرأس إمرأة جميلة . إمتطى الرسول صلّى الله عليه وسلّم البراق وتوجّه إلى القدس حيث إجتمع هناك بكافة الأنبياء السابقين وأقام فيهم الصلاة . ثمّ إنتقل النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم في رحلة إلى السماوات السبع  ورأى عجائبها وملائكتها وسكّانها , ورأى جهنّم السبع وعذابها . ثمّ كرّمه الله عزّ وجلّ وقرّبه منه  و تكلّم معه على بعد مسافة قاب قوسين أو أدنى من ذلك  . وهذا التشريف لم يحظى به أيّ من الكائنات . تلقّى الرسول صلّى الله عليه وسلّم في رحلته الصلوات الخمس وأوقاتها . وبعدما عاد من رحلته السماوية  لم يشعر بعدها يوما بالتعاسة .

 قصّة النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم كقصّة باقي الأنبياء , لكن قصّته تاريخا بحدّ ذاته . فهو الرسول الوحيد الذي بعث عندما كان يكتب ويدوّن كلّ شيء . فقد كتب القرآن مباشرة عند التنزيل . وكذلك دوّن كلّ عمل وكلّ قول للرسول صلّى الله عليه وسلّم . فنحن لا نعرف فقط رؤوس أقلام عن حياته لكننا نعرف أيضا أدقّ التفاصيل عنها . فنحن نعلم ما كان يفضّل من الألوان والطعام , وكيف كان يأكل ويشرب وماذا قال وكيف كان يقول ذلك . فهو لم يترك فقط القرآن وراءه بل ترك كماّ وافرا من المعلومات عن حياته تصرفاته وكلّ حركة كان يقوم بها .

من حيث الشكل الخارجي لم يكن محمّد صلّى الله عليه وسلّم طويلا أو قصيرا , ولم يكن سمينا أو ضعيفا . كان شعره أسودا ليس مجعدا ولا مسترسلا , مموجا قليلا  , ولديه القليل من الشعر الأبيض في لحيته .  بشرته كانت فاتحة اللون . كانت عيناه قاتمتان وأهدابه طويلة  ووجهه مدورا قليلا , وإبتسامته تنير الدنيا وعبسته  تسودّ الدنيا بأكملها , ورؤيته كانت تفرح القلوب .

 كان النبي صلّى الله عليه وسلّم متواضعا وصبورا , ويرحم الجميع لدرجة أنّه في أحد الأيام كانت تنام قطّة على ثوبه فقصّ ثوبه حتّى لا يوقظها .  كان شكورا لكلّ هدية تعطى له وعندما كان بصحبة الناس كان لطيفا مبتسما . فهو يحلب الماعز بيده ويغسل ويخيط ثيابه ,  ويخدم عائلته  ,ولم يكن يملك يوما من الأيّام سريرا لينام عليه بل حفنة من جزوع النخل .ملابسه كانت قطنية وعمّامتة طولها سبعة أدرع . الأخضر كان لونه المفضّل ومحبا للروائح والعطور .

أستقبل المسلمين بحفاوة في يثرب التي دعيت فيما بعد بمدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم . جاء الناس من كلّ حدب وصوب ليتعلّموا منه وليدعموه . وكان الناس من مختلف طبقات المجتمع ومن جميع أنواع البشر ومن مختلف الأعمار .فهذه أوّل مرّة يرسل كتاب ليس لمجتمع صغير فقط , بل إلى كلّ أفراد أولاد نوح عليه السلام  . فالشعوب الذين لم يتعارفوا على بعضهم البعض قبل إعتناق الإسلام أصبحوا شعوب تتعايش كأخوة مع بعضها البعض بعد دخولهم للإسلام . فكان حبا واحدا يجمعهم وهو حبّهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم وحبّهم لخالقهم الله عزّ وجلّ  .

أصبح الرسول صلّى الله عليه وسلّم نبيّهم وحاكمهم  وقائدهم. وعندما خسر الكفّار المعركة وطلبوا القيام بمعاهدة أصبح النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم رجل دولة أيضا . عندما نصر الله عزّ وجلّ المسلمين إستطاع  الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن يرى أولئك الذين عذّبوه وقتلوه يقبلون على الإسلام فعفى عنهم .

عندما توفي الرسول صلّى الله عليه وسلّم في المدينة سنة 632 ميلادي وعن عمر يناهز الثلاث وستّون , ترك وراءه القرآن الكريم وسنّته كمثل ومرشد للناس في الجزيرة العربية ولكلّ البشر . إنتشر المسلمون في كافة بقاع الأرض ونشروا دين الله عزّ وجلّ  وحبّهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم .

بالرغم من إنتهاء رحلة نور النبوة مع النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم لكنّ النور لم يذهب نهائيا . فهو مازال يشعّ من خلال سلالته وأصدقائه والأولياء الذين يحملون هذا المصباح لينيروا طريقنا إلى آخر الزمان .

فليبارك الله عزّ وجلّ بالنبي محمّد صلّى الله عليه وسلأّم وليمنحه السلام وليساعدنا على إتّباع نوره أينما وجدناه . آمين  

 
  3004411 visitors