شمس الشموس
  الادب المرضية
 



 

الادب المرضية في الطريقة النقشبندية
للقطب الشيخ جما الدين الغموقي


II
V
تحميل

 

1

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الآداب المرضية في الطريقة النقشبندية

للقطب الربّاني والعارف الصمداني

الشيخ المرشد أبي العالي جمال الدين

الداغستاني الغانري غموقي

قدّس الله سرّه

طبع بمعرفة محمّد ميرز الداغستاني الجوخى الموراوي

بإذن النظارة من س2 يثربوغ في 37 أوغويه سنة 5 (..)


2

 

بسم الله الرحمن الرحيم                     لا حول ولا قوّ إلاّ بالله العلي العظيم

الحمد لله الذي جعل ذكره من أشرف الطاعات وأفضل العبادات وجعله سببا للوصول إلى جنابه الأقدس والترقّي إلى أعلى المقامات وجعل ذاكره جليسه وخصّه بذلك من بين سائر المخلوقات والصلاة والسلام على محمّد سرّ الوجود وسيّد الكائنات وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في سبيله ونالوا بذلك أعلى الدرجات وبعد فيقول المذنب الجاني جمال الدين الغموقي تغمّده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنّته لما كان أفضل الأعمال وأشرف الأحوال أتباع السنّة في كلّ حال وكان هذا الأتباع لا يمكن إلاّ بالسلوك في طريق من طرائق العبودية التي وصلت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم

3

بواسطة الصحابة إلى المشايخ الصوفية وكانت الطريقة النقشبندية أعلاها وأفضلها لكونها باقية على أصلها من غير زيادة ولا نقصان ممّا كانت عليها الصحابة رضوان الله تعالي عليهم وخالية من الأمور البدعية التي أحدثها المشايخ الصوفية من الذكر الجهري والسماع والرقص (والوحد والتوحد ... ) وغيرها التي لم تكن في زمن صلّى الله عليه وسلّم ولا في زمن الخلفاء الراشدين ومن بعدهم الصحابة أجمعين أردت أن أبيّن آدابها التي يحتاج لها السالكون ولا غنى عنها في كلّ حال على وجه الإختصار والتسهيل بإلتقاط من الكتب (المغيّرة.... ) في هذه الرسالة لتكون سببا لدعاء الأخوان ووسيلة إلى العفو والغفران وثمنها الآداب المرضية في الطريقة النقشبندية وأرجو من الله الكريم أن يجعلها نافعة للأنام ووسيلة إلى دار السلام بحرمة خير الأنام ورتّبها على أحد عشر بابا وخاتمه . الباب الأوّل في بيان

4

التوبة وفضلها والباب الثاني في تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة والباب الثالث في آداب الطريقة العلية والباب الرابع في كيفية أخذ العهد والتلقين والباب الخامس في فضيلة الذكر على سائر الأعمال والباب السادس في بيان الرابطة وكيفية الإشتغال بها والباب السابع في بيان كيفية الإنشغال بالذكر العلي بإسم  الذات والتقى والإثبات والباب الثامن في بيان المراقبة وكيفية الإنشغال بها والباب التاسع في بيان الذكر اللساني وسائر الأوراد من الصلاة والتلاوة والختم وغيرها والباب العاشر في بيان صحبة المشايخ الكاملين ومحبّتهم وإحترامهم والباب الحادي عشر في بيان الأمور التي هي أصول هذه الطريقة التي لا بدّ للمريد من رعايتها وخاتمة في ذكر مشايخ هذه السلسلة العلية للتبرّك بذكر إنتمائهم وبيان أنسابهم .أعلم وفقّك الله تعالى للرشاد وجعلك من أهل الخير والسواد .

5

إنّ أوّل شيء يجب على المريد تصحيح الإعتقاد بتعريف ما يجب عليه في حق مولانا عزّ وجلّ وما يجوز له تعالى وما ( يستحلّ.... ) عليه تعالى وكذا في حق الرسل صلوات الله تعالى وسلّم عليهم ثمّ أن يتعلّم من القرآن ما لا بدّ منه ولا غنى في كلّ حال عنه  مقتصرا  منه على القدر الكافي فقط ثمّ أن يتعلّم ما يحتاج إليه من الفقه من آداب الوضوء والغسل والتيمم وإزالة النجاسة وأركان الصلاة والصوم وغيرها مما لا بدّ منه من ربع  العبادات ولا يشتغل غير ما ذكر من العلوم إلاّ بعد تزكية النفس وتصفية القلب لأنّه قبل ذلك كثير الإحتجاج إلى خلاص (لغته.. ) من شجن الطبيعة ويصقل مرآة قلبه من الحجب المانعة عن الدخول إلى حضرته العليّة وعن إدراك حقائق الأشياء وفيهم دقائق العلوم ثمّ يطهّر قلبه من نحو الكبر والغضب والحسد وغيرها ثمّ يجدّد التوبة بشروطها ثمّ يشتغل بعبارة المولى والذكر بما يأمر به شيخه

6

الباب الأوّل في بيان التوبة وفضلها ألم أنّ التوبة لغة الرجوع , يقال تاب إذا رجع وشرعا الرجوع إلى الله تعالى عمّا هو مذموم في الشرع إلى ما هو محمود فيه وشرطها الندم على ما فعل من المخالفات وتركها في الحال والعزم على أن لا يعود إليها في الإستقبال فإن تعلّقت بحقّ آدمي إشترط ردّ المظالم إلى أهلها وإسترضاء الخصماء وهو واجبة على الفوربالإجماع لأنّ ترك المعاصي واجبة على الدوام وهي باب الأبواب التي يدخل منها إلى حضرة ربّ العالمين وأوّل مقام يضع فيه قدم السالك للترقّي إلى سائر المقامات وفيها نجاة العبد من البوار وخلاصه من النار في دار الغرار ولقد جاءت في فضلها آيات كثيرة وأحاديث غفيرة فمن الآيات قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا " وقوله تعالى " وتوبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلّكم تفلحون " وقوله تعالى " إنّ الله يحبّ

7

التوّابين ويحبّ المتطهّرين" ومن الأحاديث قوله صلّى الله عليه وسلّم " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " وقوله صلّى الله عليه وسلّم إنّ الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر وقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم الله أشدّ فرحا من توبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فإنفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها وأتى شجرة فإضطجع في طلبها فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بحطامها ثمّ قال من شدّة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربّك _ وأخطأ من شدّة الفرح . وقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم إذا تاب العبد تاب الله عليه وأنسى الحفظة ما كتبوا من مساوئ عمله وأنسى جوارحه ما عملت من الخطايا وأنسى مقامه من السماء فجيء به يوم القيامة وليس شيء يشهد عليه من الخلق وقال بعضهم إذا العبد تاب من الذنوب

8

صارت الذنوب الماضية كلّها حسنات وهذا المعنى لقوله تعالى فأولئك يبدّل الله سيئآتهم حسنات وللتوابين حكايات كثيرة شهيرة عجيبة أقتصر منها على خمس حكايات تعلم بها سعة رحمة الله تعالى وفضله على عباده العاصيين المسرفين على أنفسهم . الحكاية الأولى عن ذي النون المصري رضي الله تعالى عنه قال بينما أنا أمشي على شاطئ النيل إذ رأيت عقربا تدبّ فأخذت حجرا وأردت قتلها هربت مسرعة فوقت على شاطئ النيل فخرجت ضفدعة فوثب العقرب على ظهرها فغابت بها حتّى خرجت إلى الجانب الآخر فتبعتها فلمّا بلغت البرّ نزلت عن ظهرها فإذا برجل نائم وهو سكران وثعبان قد أقبل عليه ليلدغه وأسرعت إلى الثعبان فلدغته لدغة فقطع الثعبان منها قطعة فأيقظت ذلك الرجل من نومه فقام فزعا مرعوبا فلمّا رأى الثعبان ولّى هاربا فقلت له

9

لا تخف فقد كفيت أمره وقصصت عليه القصّة فأطرق برأسه مليا ونظر إلى السماء وقال هكذا تفعل بمن عصاك فكيف بمن أطاعك وعزّتك وجلالك لا أعصيك بعد هذا ثمّ ولّى باكيا وهو يقول :

يا راقدا والجليل يحرسه    من كلّ شيء يدب في الظلم

كيف تنام العيون عن ملك     ومن ثاني فوائد النعم

الحكاية الثانية عن بعض الأكراد كان يقطع الطرق وينهب الأموال قال بينما أنا وجماعة من أصحابي جلوس وقد خرجنا لقطع الطريق وإنتهينا إلى مكان فيه ثلاث نخلات واحدة منهنّ ليس عليها تمرا وإذا بعصفور يحمل رطبة من نخلة مثمرة إلى رأس النخلة التي ليس عليها ثمر كرّر منها ذلك عشر مرّات وأنا أنظر فخطر في بالي أن أقوم وأنظر إلى ذلك فصعدت إلى الشجرة وإذا برأسها حيّة عمياء فاتحة فاها والعصفور يضع

10

الرطب فيه فبكيت وقلت سيّدي هذه حيّة عمياء قد أمر نبيّك بقتلها لمّا أعميتها أقمت لها عصفورا يقوم لها بالكفالة وأنا عبدك أمر بوحدانيتك أحتمي لقطع الطريق وأخاف أبناء السبيل فوقع في قلبي يا فلان بابي مفتوح فكسرت سيفي ووضعت التراب على رأسي وصحّت الإقالة فإذا بهاتف يقول أقلناك فأتيت رفقائي فقالوا ما لك قد أزعجتنا فقلت كنت مهجورا وقد صولحت وحكيت لهم القصّة فقالوا ونحن نصالح أيضا فرمينا أرضا ثيابنا وسلاحنا وأحرمنا وقصدنا مكّة وأقمنا ثلاثة أيّام في البرّية ثمّ دخلنا قرية فإذا نحن بعجوز عمياء ومررنا عليها فسألتنا أفيكم فلان الكردي قلنا نعم فأخرجت إلينا ثيابا وقالت مات  ولدي وخلّف هذا فرأيت النبي صلّى الله تعالى عليه وسلّم في النوم ثلاث ليال يقول لي أعطي هذه فلان الكردي قال فأخذنها فإكتسيت أنا وأصحابي ثمّ مضينا إلى مكّة وصار

11

 ما صار . الحكاية الثالثة حكي أنّ الشيخ الكبير العارف بالله تعالى علي بن المرتضى رضي الله عنه خرج يوما من زبيد نحو الساحل المعروف بالأهواي بالياء الموحّدة ومعه تلميذه فمرّ في طريقه على قضيب مرّة فقال للتلميذ خذ معك من هذا القضيب ففعل المريد معجبا في نفسه وقال ما مراد الشيخ بهذا ولم يقل له الشيخ شيئا حتّى بلغا إلى محلّة العبيد يقال لهم ( الساكم .. ) يأكلون الميات ويشربون المسكّرات ولا يعرفون الصوم والصلاة وإذا بهم يشربون ويلعبون ويلهون ويطربون ويغنّن ويضربون فقال الشيخ للتلميذ آتني بذلك الشيخ الطويل الذي يضرب الطبل فأتاه  وقال له أجب الشيخ فرمى الطبل من رقبته ومشى معه إلى الشيخ فلمّا وقفا بين يديه قال الشيخ للتلميذ إضربه بها فضربه حتّى إستوفى من الحدّ ثمّ قال له الشيخ إمشي إمشي قدّامنا حتّى بلغوا البحر فأمره الشيخ (.. لله )

12

ويغسل وعلّمه كيفية ذلك وكيفية الوضوء ففعل ثمّ علّمه كيفية الصلاة وتقدّم الشيخ وصلّى بهما الظهر فلمّا فرغوا من الصلاة قام الشيخ ووضع سجّادته على البحر وقال له تقدّم فقام ووضع قدميه على السجّادة ومشى على الماء حتّى غاب عن العين فإلتفت التلميذ إلى الشيخ وقال له وا مصباه لي معك كذا وكذا سنة ما حصل لي شيء من هذا وهذا في ساعة واحدة حصل لهذا المقام وهذه الكرامة العظيمة فبكى الشيخ وقال يا ولدي وأين كنت أنّا هذا فعل الله تعالى قيل لي فلان من الأبدال توفي فأقم فلانا مقامه فإمتثلت للأمر كما بمسار الخدّام وددن أن لو يحصل لي ذلك المقام . الحكاية الرابعة عن سيّد الطائفة وإمامهم أبي قاسم الجنيد رضي الله تعالى عنه أنّه كنت في المسجد فإّذا رجل دخل علينا فصلّى ركعتين ثمّ أخذ ناحية من المسجد وأشار إليّ بيده فلمّا جئت قال لي قد حان لي

13

لقاء الله تعالى ولقاء الأحبّاب فإذا فرغت من أمري سيدخل عليك شاب مغنّ فإدفع (..) وعماي ( وركوني..) فقلت إلى مغن وكيف يكون ذلك قال إنّه قد بلغ زينة المقام لخدمة الله تعالى في مقامي قال الجنيد فلما قضى الرجل نحبه وفرغنا من مواراته إذا نحن بشاب مصري قد دخل علينا فسلّم وقال أين الوديعة يا أبا القاسم فقلت وكيف ذلك أخبرنا بحالك قال كنت في ضربة بني فلان فهتف لي هاتف أن قم إلى الجند وسلّم ما عندك وهو كيت وكيت فإنّك جعلت مكان فلان الفلاني من الأبدال قال الجند فدفعت إليه ذلك فنزع ثيابه واغسل ولبس المرقعة وخرج على وجهه إلى الشام الحكاية الخامسة أوصى الله تعالى موسى عليه السلام فقال يا موسى قم وصلّي على ولي من أوليائي مات في مكان كذا فذهب إلى ذلك المكان فما رأى هناك مصيبة ولا أثرها فسأل الناس

14

هل مات أحد في هذه المحلّة في هذا اليوم قالوا مات فاجر كان مصرا على الكبائر (..) تعالى من بيننا وأرحنا منه بحمد الله تعالى فسأل موسى عليه السلام أين ذلك الميّت قالوا ألقي في السياطة فذهب موسى إليها فإذا برجل ملقى فيها ملوّث بالتراب والرماد فسجد موسى فقال إلهي إنّك قلت مات لي ولي من أوليائي وهؤلاء يشهدون أنّه مات مصرا على الكبائر فقال تعالى يا موسى نعم هو كان كما يقولون ولكن لمّا قرب أجله وتغيّرت حالاته عطش فسأل الناس ماء فما أعطوه فخاب المريض عن الناس فرفع بصره إلى السماء فقال إلهي إن عصيت عصيتك فما منعت عنّي رزقك إلى هذا الوقت فما عصيتهم فمنعوا عنّي شربة ماء ثمّ قال إلهي فضّلت جبريل عن الملائكة وحببّت محمّد على سائر الأنبياء وكلامك المنزّل عليه على سائر الكتب فبحرمة جبرائيل ومحمّد والكتاب الذي أنزلته إغفر لي وإرحمني  

15

وأعف عنّي فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت فغفرت له ورحمته وجعلته من أوليائي فسبحان الله الرؤوف الرحيم ولها مقدّمات وعلامات وثمرات فمقدّماتها إنتباه القلب عن رقدة الغفلة ورؤية العبد وما هو عليه من سوء الحال والتعرّض لسخط الجبّار وذكر ضعف صبره عن إحتمال العذاب فيحمل ذلك على التوبة وأمّا علاماتها هجران الأحداث وقرناء السوء والتوحّش عنهم وحبّ العزلة وقلّة الكلام وترك الخوض فيما لا يعنيه والإستكثار من الطاعات وملازمة الذكر وإطراق الرأس ونحول الجسم ودمع العين وحزن وكثرة الأسى والبكاء على ما ضيع من جواهر غمره النفسية في ( السنوات الخبية..) وطلب الإقالة من الله تعالى آناء الليل وأطراف النهار وأمّا عزائها فرجوعه حبيبا للرحمن بعد أن كان حبيبا للشيطان وتبديل سيئاته بالجنان وطعم لذّة الطاعات وحلاوة المناجات وضرورة العمل بعد ردّه

16

 مقبولا ورجوع نور الإيمان إلى قلبه بعد خروجه منه( وصيرورة ..) الملائكة يشتمّون منه طيب الطاعة بعد أن كانوا ( يهوون ..) من نتن ريحه وكل هذه من ثمرات التوبة فأكرم بها من ثمرات فلقد عظمت منه الله تعالى على عبادة إذ وفّقهم للطاعة وغفر للتائب ذنوب سنين سنة وأكثر في ساعة واحدة فيا لها من نعم أجّلت لا يطاق شكرها ومن الآلاء عظمت ولا سبيل إلى(....)  فالذنوب التي يتاب عليها إمّا حقّ الله تعالى وإمّا حق الآدميين فحقّ الله تعالى يكفي فيه الندم والترك غير أنّ منها ما لم يكتف الشرع فيه بمجرّد الترك بل أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء كالصلاة والصوم ومنها ما أضيف له كفّارة كالحنث       بالإيمان وغير ذلك وأمّا حقوق الأدميين فلا بدّ من إبطالها إلى مستحقّها فإن لم يوجد  منهم ومن لم يجد السبيل للخروج ممّا عليه من الحقوق (...) فغفر الله تعالى

17

مأمول وفضله مبذول فكم عفى من التبعات وبدّل من السيئات بالحسنات وعليه أن يكثر من الأعمال الصالحات ويستغفر لمن ظلمه من المؤمنين والمؤمنات ولا ييأس من رحمته فإنّه إذا قبل تعالى توبة عبده يرضي خصماءه من خزائن رحمته فعليك أيّها التائب إنفاق أنفاس عمرك الباقية في الطاعة مع الإعتراف بالعجز والتقصير فلعلّك أن تكون من المفلحين فإن رزقك الله تعالى الثبات عليها فأحمد الله تعالى على ذلك وأشكره فالله علامة التوفيق وإن عدت إلى المعصية فينبغي لك أن تعود إلى التوبة وتكرر العودة إليها كلّما تكرّر منك نقصانها ولا تيأس من قبولها ثانيا فإنّ بابها مفتوح ولا تغلق حتّى تطلع الشمس من مغربها فلا ينبغي لك قطع الرجاء عن قبولها فإنّ لكلّ أجل كتابا ولم يزل الله سبحانه وتعالى على من تاب توّابا وقد جاء في الحديث أنّ حبيب بن الحارث رضي الله تعالى عنه

18

قال يا رسول الله إنّي رجل مغراف الذنوب إني أرتكب الذنوب كثيرا قال تبت إلى الله تعالى قال إني أتوب ثمّ أعود قال كلّما أذنبت تبت قال إذا تكثر ذنوبي قال عفو الله أكثر من ذنوبك . وحكي أنّه في زمن موسى عليه السلام كان رجلا لا يستقيم على التوبة تاب ثمّ أفسد مقدار عشرين سنة فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن قل لعبدي إنّي غضبان عليك ولا أغفر لك مما عصيتني وألزمت عليك عقوبتي فبلّغ موسى عليه السلام الرسالة فحزن ووقع في الحرقة في قلبه فهرب إلى الصحراء ورفع رأسه إلى السماء فقال يا رب ما هذه الرسالة أنفذت خزائن رحمتك أم ضرّتك معصيتي أو غلب عليّ عفوك وأي ذنب وقع من عبدك أعظم من عفوك حتّى قلت لا أغفر لك فكيف لا تغفر والكرم من صفاتك كلاّ وحاشا فإنّ بابك مفتوح للسائلين وعفوك مأمول للمذنبين فإذا إستثنيتني من رحمتك

19

ما لي باب من بروح عبدك إلهي إن كانت رحمتك قد نفذت وكان لا بدّ من عذابي فإحمل عليّ جميع ذنوب عبادك في كلّ بلادك لأحترق أنا في نارك فداء عن سائرعبادك فقال الله تعالى لموسى عليه السلام إذهب يا موسى وقل لو كان ذنوبك ملأ السماوات والأرض فإنّي قد غفرتها لك بحسن مناجاتك في عرض حاجاتك . وحكي عن بعض المريدين الله تاب ثمّ وقعت باله  (...) وكان يتفكّر يوما لو عاد إلى التوبة تائبا كيف يكون حكمه هل يقبل منه أم لا فهتف به هاتف يا فلان أطعنا فكّرناك ثمّ تركتنا فأمهلناك فإن عدت إلينا قبلناك فعاد الفتى إلى الإرادة وأنقذها أعاد الله تعالى يمنه وكرمه إنّه هو التوّاب الرحيم فإذا عرفت هذا فإن نظرت إلى نفسك بعين الإنصاف والشفقة رأيت إحتياجك إليها أشدّ من إحتياجك إلى الطعام والشراب والمسكن لأنّ الذنوب قد حالت بينك وبين كلّ محبوب وحجبتك عن

مطالعة الغيوب فعليك برفعها عن قلبك بالتوبة الخالصة لتفوز بالوصال وتطّلع علة جمال ذي الجلال وإعلم أنّك لا تصل إلى الله تعالى إلاّ بها لأنّ المقصود من السلوك الوصول إلى ملك الملكوت وهو لا يحصل إلاّ بها لذلك أطلت الكلام عليها . الباب الثاني في تزكية النفس عن الأخلاق الذميمة وتحلّيتها بالأوصاف الحميدة إعلم أنّ الإنسان لا يتقرّب إلى الحضرات العلية ولا يشاهد الأسرار الربوبية إلاّ بتزكية نفسه عن الصفات الحيوانية وتخلّقه بالأخلاق الصمدانية فلذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تخلّقوا بأخلاق الله تعالى ولا يمكن أن لكلّ أحد أن يزكّي نفسه عن تلك الصفات الحيوانية إلاّ بأن يسلك في طريق الصوفية التي هي طريق تهذيب الأخلاق وبأن يعرف الأخلاق الذميمة وعلاج زوالها ويعرف الأخلاق الحميدة وطريقة إنصافها فمن الأخلاق الذميمة التي هي في السلوك شديد  

21

التعريف الحقد وهو غضب مستمر كامن في النفس وعلاج زواله أن يعرف أنّ الحقد يضرّ صاحبه معذّب بنار الغضب ليلا ونهارا وأن لا يرى في المحقود عليه إلاّ خيرا ومنها الحسد وهي إستجماع جميع الخيروإرادة زوالها من الغير وعلاج زواله أن يعرف أنّ الحسد لا ينفع لصاحبه ولا يضرّ بغيره بل أن صاحب الحسد لا يخلو من الهموم والغموم والمحسود منعم وممنون ومنها الغضب وهو شدّة هيجان النفس لطلب الإنتقام وعلاج زواله أن يعرف أنّ الغضب منشأ الفساد ولا يتصفّ فيه إلاّ شر العباد وإنّ عاقبته حسرة وندامة ويؤدّي إلى المعصية والضالة ومنها العجب وهو أن يظنّ المرء إختصاصه بزيادة الكمال وإستعظام النفس عملها وعلاج زواله أن يلاحظ خسّة نفسه ودناءة طبعه وأن يعرف إنّه منصف بالنقصان وأنّ الناس أفضل منه من جميع الوجوه ومنها الكبر وهو

22

 تعظيم المرّ على غيره بإعتبار ما فيه من العظمة وعلاج زواله أن لا ينظر إلى نفسه إلاّ بعين الإستعظام وأن يتذكّر مذمّة أهل الكبر في القرآن والحديث وأن يتذكّر عظمة الله تعالى وكبرياءه وأن يلاحظ أنّها مختص بالله تعالى ومنها البخل وهو الإمساك عن إنفاق المال مخافة الفقر وعلاج زواله أن يعرف أنّ إنفاق المال أفضل العبادات والتقوى وبه يتقرّب العبد إلى المولى ويكون محبوبا عند الورى ومنها الطمع وهو يوقع الخير عن الغير من غير إستحقاق وعلاج زواله أن يلاحظ أنّ الطمع لا يجلب النفع ولا يدفع الضر يبعد الخير ولا يحصل منه إلاّ الدناءة وقلّ الحياء وأنّ ما قدّر الله تعالى يوصله اليد من غير سبب وما لا يقدّره لا يصل إليه وإن طمع بالتي طمع . ومنها الحرص وهو إفراط شهوة البطن والفرج وعلاج  

23

زواله تقليل الطعام وتكثر الصيام وترك أكل نفائس الأطعمة وملازمة الذكر والمراقبة والمجالسة مع المشايخ والصلحاء والإجتناب عن صحبة الأحداث والنساء ومنها البطالة وهي القعود عن إكتساب سعادة الدارين وعلاج زوالها أن يلاحظ أنّ أهل البطالة محروم ومغبون وأن يجالس مع أهل السعي والجهاد ويصاحب مع الزهاّد والعبّاد ومنها الجبن وهو الإحجام عمّا يجب عليه الإقدام وعلاج زواله أن يعرف أنّه سبب المذمّة والحقارة عند جميع الناس وأنّ الآجال مقدّرة لا ينفع فيها الإحتراز وأنّ الشجاعة صفة الرجال وأفضل الخصال ومنها حبّ الدنيا وهو الرغبة في جمع جميع الأموال وعلاج زواله أنّ حبّ الدنيا لا يزيد فيها وإنّما زيادتها بإعطاء الله تعالى وإحسانه وأنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة من الأخلاق الحميدة

24

 العفّة وهي تبعد النفس عن الصفة البهيمية وتتغير لها عن الشهوة الحيوانية فمن تخلّق به يكون صاحب التمكن والقربة ومنها الود وهو الرحمة والشفقة من غير شهوة فمن تخلّق به يكون أهل الإرشاد والتربية ومنها التواضع وهو ترك تعظيم النفس على الأنام ومقابلة الخلق بالتعظيم والإكرام فمن تخلّق به يكون صاحب الفيض والقبول ومنها البشر وهو إظهار السرور والبشاشة عند ملاقاة الأحبّة فمن تخلّق به يكون ( سعيدا ..) مباركا ومنها سلامة الصدور وهو ظنّ الخير في جميع الخلائق والنظر إليهم بعين الرضا فمن تخلّق بها يكون صاحب الصفوة والإنشراح ومنها السخاء وهو بذل المال للمستحقين من غير ملاحظة العوض ولا لعلّة الغرض فمن تخلّق به يكون صاحب الإخلاص في النيّة وراقيا إلى المراتب العليّة ومنها الشجاعة وهي الإقدام

25

على الخطوب من غير خروج عن الشرع فمن تخلّق بها يكون من أهل الهيبة والعزيمة ومنها الصبر وهو تحمّل البلايا والمصيبة لتحقيق إرضاء الله تعالى في الدنيا والآخرة فمن تخلق به يكون منصورا مؤيدا ومنها الهمّة وهي طلب الحقّ سبحانه وتعالى والإعراض عن السوى فمن تخلّق بها يكون من الواصلين إلى الله تعالى والمقرّبين إلى الملك الأعلى ومنها الوفاء وهو إنجاز ما ( وعد .. ) به اللسان مع طمأنينته(...) فمن تخلّق به كان من أهل النعم والحظوظ ومنها كتمان السر ( مع..  ) حفظ  ما إئتمن عليه من الخصائص فمن تخلّق به يكون صاحب العلوم والحكم ومعربا في بساط الجود والكرم ومنها القناعة وهي وقوف النفس عند رزقه تعالى من غير تسوّف إلى الزيادة فمن تخلّق بها يكون من أهل العزّ وعلوّ الجنان ومنها الزهد وهو ترك الدنيا ممّا زاد على الكفاف للإنتقال بطاعة المولى فمن تخلّق به يكون محبوبا عند الله تعالى ومقبولا عند الناس

26

ومنها التوكل وهو عدم الإهتمام بإكتساب ما يحتاج إليه إعتمادا على كرم الله تعالى فمن تخلّق به يكون صاحب المعرفة فمن تجنّب عن هذه الأخلاق الذميمة وتخلّق بمجموع هذه الأوصاف الحميدة ( وإنضو...) بجميع هذه الصفات الكاملة يكون صاحب الإتبّاع التام بسنّة سيّد الأنام ويكون من الأولياء الكرام والأصفياء العظام الوصلين إلى الملك العلاّم وأصحاب الأحوال الذين قطعوا المنازل والأهوال وترقّوا مقامات الرجال ويصحّ له دعوة الخلق إلى الشريعة وهداية السالكين إلى الحقيقة ويكون خليفة الله في الدين وهاديا عليه بحقّ اليقين . الباب الثالث في بيان آداب الطريقة النقشبندية قدّس الله تعالى أسرارها إعلم أنّ الطريقة النقشبندية عبارة عن دوام العبودية بإصراف الطاعات على الإطلاق أعني بها ذكر الله تعالى (بالإتفاق..) وإدّائها كمال التمسّك بالكتاب والسنّة

27

وتصحيح الإعتقاد بمقتضى آراء أهل السنّة والتوبة الصادقة وردّ المظالم والإنحلال عن أرباب الحقوق والتعبّد على الإلزام بالسنّة ( والرقّة ..) على العمل بالشريعة والإهتمام على المجانبة من كلّ المنكرات والمبتدعات والغيرة على التباعد من كلّ الهواني والمذمّات وأن يجعل عزيمة كلّ العمل كالواجب فلا يزكّها بلا ضرورة ملحّة ورخصة كالحرام فلا يرتكبه بلا داعية ضرورة وبأخذ بالأحوط في كلّ الأمور والإجناب عن المهلكات الذميمة والتخلّق بالأخلاق الحميدة المرضيّة وترك فضول الكلام وكثرة الطعام والمنام وأن لا يأكل من الطعام الغير الحلال ودوام الإفقار إلى الله تعالى مع الإنكسار والإلتجاء إليه في جميع الأمور وقطع الطمع عن دار الغرور والرضاء بالمقدور فمن تأدّب بهذه الآداب يصل إلى ربّ الأرباب وإعلم أنّ كلّ أحد إذا جاهد في ذكر كلمة التوحيد ولم تظهر له ( .. )

28

من مجاهدته فإعلم أنّ فيه خلافا في أدب من هذه الآداب لأنّ الخلاف في الأدب يوجب الضر بالخاصية ولو كان بأدنى شيء الباب الرابع في بيان كيفية أخذ العهد والتلقين إعلم أنّ هؤلاء المشايخ النقشبندية وغيرهم قدّس الله تعالى أسرارهم وجعلنا في بركات أنفاسهم في تربية الفقراء على حب الطاعة (والأمكان.. ) وغاية أمرهم أنّهم يأخذون العهد على المريد بأن يجلس على طهارة بين يديّ الشيخ ويضع يده في يده ويقول له بهذا عهد الله بيني وبينك على الكتاب والسنّة لا ترتكب كبيرة ولا تضرّ على صغيرة وأنّه متى وقع فيك شيء من ذلك وسقطت في تلك المهالك تبادر بالتوبة ورفع تلك ( الحوية ..) وأن تلازم على فعل الواجبات وأن تواصب على نوافل العبادات وأن تعمل بالعزيمة (وتجانب.. ) عن الرخصة والبدعة ونحن أخوان في الله تعالى الناجي منّا يأخذ بيد أخيه يوم القيامة

29

ونحن من أتباع إمام الطريقة وغوث الخليقة خواجه بهاء الدين النقشبندي محمّد الأويس البخاري ثمّ يستنه جميع المعاصي والمخالفات التي أضاع فيها عمره ويقولان أستغفر الله الذي لا إله إلاّ هو الحيّ القيوم وأتوب إليه ثلثا ثلثا ثمّ يقرأ الشيخ مرّة للتبرّك إنّ الذين يبايعونك إنّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما ثمّ يضع الشيخ والمريد أيديهما على ركبتهما ويغمضان أعينهما ثمّ يذكر الشيخ بقلبه إسم الذات على نيّة التلقين ثلثا ثمّ يرفع الشيخ والمريد يديهما معا للدعاء فيدعو له الشيخ ويأمن المريد وبعد تمام الدعاء يمسحان أيدهما على وجوههما وبعده يقبّل المريد ركبة الشيخ ويقوم من محلّه بإذن الشيخ ليذهب ويشتغل بما أمره به

30

الشيخ ويحفظ نيّة الشيخ على كلّ حال ويوف العهد والميثاق ولا ينقضه إلى أن يموت وإمّا كيفية تلقين التقى والإثبات فمثل كيفية إسم الذات تكن في تلقين التقى والإثبات يحبس الشيخ والمريد النفس معا عند التلقين والله الموّفق للصواب . الباب الخامس في فضل الذكر على سائر الأعمال إعلم وفّقك الله تعالى للذكر وجعلك من أهل التدبّر والفكر أن الذكر ترداد إسم المذكور على القلب واللسان وهو أمر لازم وفرض دائم قال الله تعالى فأذكروني أذكركم فهو (شبق..) المريدين وحقن الذاكرين ومنشور الولاية أي (...) فمن وفّق للذكر أعطي منشور الولاية ومن يتركه عزل عنها ومعيار ( الوصلة ..)(ولاية..) ضياء النهاية وأقرب الطرق للوصول وأفضل الأعمال للقبول وليس وراء الذكر شيء من الفضائل وجميع الخصال الحميدة راجعة إلى المذكور ومنشاؤها الذكر والآيات ( والأخبار...)

31

التي في فضيلة الذكر كبيرة لا تحصى قال الله تعالى ولذكر الله أكبر وكفى به شرفا أنّ ثوابه ذكر الله تعالى لذاكره كما قال تعالى فإذكروني أذكركم وكونه جليسه تعالى كما قال أنا جليس من ذكرني وقال بعض العلماء العارفين إذا أراد الله أن يوالي عبده فتح له باب ذكره فإن إستلزّ به فتح له باب القرب ثمّ رفع إلى مجال الأنس ثمّ أجلسه على كرسي التوحيد ثمّ رفع عنه الحجب وأدخله دار الفردانية وكشف له الجلال والعظمة فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة خرج من حبّه ودعاوى نفسه وقال الشيخ علي (المرصغي...) قد عجزت  الأشياخ فلم يجدوا دواء للمريدين للوصول إلى الله تعالى أعظم ولا أسرع على الذكر فحكم الذكر في جلاء القلب كحكم الخزف في جلاء النحاس وحكم غيره من سائر العبادات كحكم الصابون في جلاء النحاس .

 والذكر أعظم باب أنت داخله    لله فإجعل له الحرّاس أنفاسا

32

ومن خصائصه كشف الحجب المانعة عند دخول حضرة الله تعالى فلمّا إنكشف للمريد حجاب شرفي من ذلك المقام وطلب المقام الذي فوقه ولا يزال كذلك إلى أن يصل إلى مقام الكمال اللائق به بخلاف من سلك بغير الذكر من سائر العبادات فإنّه لطول حجابه لا يكاد يفارق المقام الذي هو عليه( لعشقه بدفق...) لما وقع المريد على الذكر إلاّ وقد وصل ولا سيّما  الذكر القلبي الذي هو ذكر حقيقي يبدّل الغيبية بالحضور ويبقي الذاكر في المذكور لكن لا بدّ من أن يكون بتلقين الشيخ الكامل الذي عرف أسرار الأذكار لأنّ الله تعالى أجرى عادته في كشف أسرار أسمائه أن يكون بتلقين الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثمّ بتلقين خلفائه الذين تلك الأذكار كابرا عن كابر إلى رسول الله تعالى صلّ الله عليه وسلّم ولو أنّ ذاكرا يذكر الله تعالى بجميع الأذكار في جمع الليل والنهار بنفسه من غير تلقين الشيخ فلا يبلغ مبلغ

33

الرجال ولا يصل إلى مرتبة الكمال إلاّ بتربية المرشد الواصل وأقلّ ما يحصل للذاكر إذا تلقّن الذكر عن الشيخ الكامل ودخل في سلسلة إذا حرّك حلقه في نفسه بما أصاب تجاوبه أرواح المشايخ إلى رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلّم إلى حضرة الله تعالى ومن لم يتلقّن الذكر منهم ولم يدخل في سلسلتهم لا يجاوبه أحد منهم ولو يحرّك ( حلقهم .. ) ذكره طول عمره وهذا فائدة التلقين إعلم رزقك الله الوصول والتحقّق وجعلك من أولئك الفريق إنّه لا يحصل لك الفتح بمجرّد الذكر إلاّ بالتأدّب بآدابه لأنّ كلّ عبارة خلت عنها فهي قليلة الجدوى وأجمع الأشياخ على أنّ العبد يصل بعبادته إلى حصول الثواب ودخول الجنّة ولا يصل إلى حضرته تعالى إلاّ من صحبه بالأدب ومن المعلوم أنّ مقصود القوم القرب إلى حضرته الخاصة المصطلح عندهم ومجالسته فيها من غير حجاب وأمّا

34

الثواب فحكمه عندهم حكم علق البهائم قال الله تعالى أنا جليس من ذكرني يعني ذكرني على وجه الأدب والحضور والمراد فيه إنكشاف الحجب للعبد كأنّ بين يديّ ربّه جلّ وعلا وهو يراه ومطّلع عليه فمتى أدام العبد هذا الهو فهو جليس الله تعالى في حضرته الخاصة فإن غاب عن ذلك الهو خرج عن حضرة الله تعالى فإفهم وليس المراد بحضرته مكان مخصوص في السماوات والأرض كما يتوهّم ذلك فإنّ الله تعالى لا يحويه مكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . الباب السادس في بيان الرابطة وكيفية الإنتقال بها إعلم أنّ الرابطة عند الصوفية مطلقا هي إنتظار المريد بعين البصيرة إلى روحانية الشيخ مع ميلان قلبه إليه بالمحبّة الذائبة وأمّا عمل المشايخ النقشبندية فهي على نوعين أحدهما أن نكون عند حضور الشيخ فكيفية ذلك أن يتوجّه المريد مع المحبّة الذائبة إلى قلب

35

الشيخ بطريق التسليم إليه والإستهلال فيه حتّى يفنى عن جميع صفاته في صفات الشيخ وثانيهما أن يكون عند غيبة الشيخ فكيفية ذلك أن يتصوّر المريد صورة شيخه بين عينيه ثمّ يتوجّه إلى روحانية الشيخ في تلك الصورة عن الموجّه إليها حتّى يحصل له الغيبة أم أثر الجذبة فبعد حصول أحد الأمرين يترك الرابطة حتّى يفنى عن ذاته وصفاته في صورة الشيخ فعند ذلك يشاهد كمالاته في صورته لأنّ كمالاته  لا تغرق روحانيته فتربيه روحانية الشيخ بعد ذلك إلى أن يوصل إلى الله تعالى فيكون من الواصلين الكاملين فالرابطة تقرّب المريد من الشيخ ولو كان أحدهما في المشرق والآخر في المغرب وبها يستفيض الشيوخ عن الصبيان الكاملين ويستفيض الأحياء عن الأموات المنصرفين لأنّ الرابطة تدخل المستفيض تحت تصرّف ولاية روحانية المفيض وبتصرّف الروحانية بولايته ويقبض به من الكمالات

36

الإلهية والتجلّيات الربّانية وتبلغه الحضرة العليّة سواء كان ( غير مطبوع..  .) حياّ أو ميتا وسواء عرف ذلك أو لم يعرف وهي أقرب الطرق للوصول ( غير مطبوع..) فلا يحتاج بعد ذلك إلى أمر آخر وأصل الوصول أيضا لأنّ جميع ( غير مطبوع ..) إلى الرابطة في ظهور خصائصها (..) في هذه الطريقة العليّة لأنّ جميع ( غير مطبوع ) يحتاج إليها فلا يفيد شيء إلاّ بمقارنة الرابطة لذلك سمّيت هذه الطريقة طريق الرابطة إعلم أنّ الرابطة نوع المحبّة فمن لم تكن فيه ( غير مطبوع ) وهي ممّا يوفّق عليه الإستفاضة ممّن كان فيه الرابطة يمكن له التربية والإستفاضة ومن لم يكن قيد رابطة لم يكن الإستفاضة ولو قارن الخضر عليه السلام ثمّ إعلم أنّ الرابطة إنّما تفيد إذا كانت من الإنسان الكامل المتصرّف بقوّة الولاية لأنّ الإنسان الكامل مرآة الحق سبحانه وتعالى فمن نظر إلى روحانيته بعين البصيرة شاهد الحقّ فيها وهي على قسمين أمّا أن تكون مع الأحياء

37

أو تكون مع الأموات فأمّا التي تكون مع الأحياء فقد بيّن كيفيتها وأمّا التي كانت مع الأموت فكيفيتها أن يجرّد المريد نفسه عن العلاثق العنصرية ويطلق باطنه عن القيودات الطبيعية ويعرّي قلبه من العلوم والنقوش والخواطر الكونية ثمّ يتصوّر روحانية ذلك الميّت نورا مجردا عن الكيفية المحسوسة ويحفظ ذلك النور في قلبه حتّى فيه فيض من فيوضات ذلك الميّت أو حال من أحواله لأنّ روحانية الكاملين منبع الفيوضات الإلهية فمن أدخل في قلبه يناله فيض من الميّت وإن كانت الرابطة عند قبر الميّت فلا بدّ أن يسلّم صاحب ذلك القبر ثمّ يقف في طرف اليمين قريبا من رجليه ويضع يده اليمنى على اليسرى فوق السرّة ويطرق رأسه على صدره ثمّ يقرأ الفاتحة وسورة الإخلاص إحدى عشر مرّة وآية الكرسي مرّة ويهب ثوابه لذلك الميّت ثمّ يجلس عنه ويتوجّه إلى روحانيته في القلب بطريق

38

الإستفاضة ومن توجّه من محلّه إلى روحانية النبي صلّى الله عليه وسلّم في قبره الشريف في المدينة المنوّرة يستفيض وكذلك إذا توجّه أحد من محلّه إلى روحانية الأولياء في قبرهم يستفيض منهم فالرابطة من غير توجّه كافية في الإستفاضة . نعم إذا إجتمعت مع التوجه فنور على نور لكن المدار على قوّة الرابطة فمن داوم عليها حصل له جميع أحوال الطريقة وكمالان الحقيقة ومن إختلّت رابطته إنقطعت إستفاضته ولم يحصل له أحوال السلوك ولم يظهر له أسرار الوصول ثمّ إعلم أنّ المريد إنما يحتاج إلى الرابطة إن لم يقدر على الإستفاضة من الله تعالى من غير واسطة وإن قدّر عليها يجب عليه أن يترك الرابطة لأنّ الإنتقال بالرابطة حينئذ إختيار التنزّل على الترقّي وترجيح مرتبة الحجاب على مقام الهو فذلك إعراض عن الحق تعالى ولكن لا يترك ( نسية ..)  الشيخ لأنّ حفظ (النسيّة ..)

39

يزيد المشاهد ويقرّب السالك إلى مقام الأنس والمحادثة . الباب السابع في كيفية الإشتغال بالذكر وبيان آدابه إعلم وفّقك الله تعالى للتحقيق وهداك إلى سواء الطريق إنّ لساداتنا القشبندية متعّنا الله تعالى ( ..يمنا) من أنفاسهم ونوّر قلوبنا بأنوار بركات (كونهم..) طريقان أحدهما إسم الذات والثاني النفي والإثبات وإختلفوا في ذلك فبعضهم إختاروا النفي والإثبات لقوله صلّى الله عليه وسلّم أفضل الذكر لا إله إلاّ الله ولقوله صلّى الله تعالى عليه وسلّم جدّدوا إيمانكم بقول لا إله إلاّ الله ولأنّ لها أثرا ظاهرا عظيما عند القوم في تطهيرالباطن وبتنويره ما لا يوجد في غيرها من سائر الأذكارر وإختار بعضهم لفظة الجلالة وهذا ما إختاره الشيخ محي الدين وبعض الكمّل من المحقّقين ودليلهم قلّ الله

40

ثمّ ذرهم وقال بعضهم أنّ ذلك راجع إلى المريد فإن وجد  الـتأثيّر في قلبه بالنفي والإثبات لزمه وأكثر منه وإن وجد التأثيّر بإسم الذات لزمه وأكثر منه وقال بعضهم يشتغل بما أمره به شيخه وقال بعضهم الأولى بعد تعلّم السالك طريق الإشتغال أن يقال أنت مخيّر وكلّ شغل أبعد من التفرقة في حقّك وأقرب إلى الجمعية إشتغل به لكن الإشتغال بالنفي والإثبات أدخل في الترقّي وتنوير النور وقال بعضهم مادام المريد يشهد شيئا من الأكوان فذكره بالنفي والإثبات واجب عليه في إصطلاح القوم لأنّها مفتاح حقائق القلوب ويترقّى بها السالك إلى علّام الغيوب فإذا فنيت هويته وشهواته كلّهلا فحينئذ يصلح أن يذكر الله تعالى بلفظة الجلالة فقط من غير نفي ولكلّ أناس مشربهم ويحصل في بيان آداب الذكر عند السادات النقشبندية قدّس الله أسرارهم إعلم إذ أراده

41

  السالك أن يشتغل بالذكر فأدبه قبل الشروع فيه أن يجلس على ركبته متورّكا بعكس التورّك في الصلاة بوضوء مستقبل القبلة ويقول أستغفر الله خمسا أو خمس عشر مرّة أو خمسا وعشرين مرّة بلسانه مع مواطأة القلب ثمّ يلاحظ في قلبه أنّه مذنب مقصّر غير قابل شيء خال من الأعمال الصالحة بحيث يئس من أعماله ويتوكّل على ربّه ويقوّل على فضله ثمّ يلاحظ الموت وأحواله والقبروأحواله كان الموت قد حلّ به الآن وهذا آخر أنفاسه من الدنيا ويجب  كونه ميّتا وقد مات وحمل على السرير وجرّد عن الثياب وكفّن ثمّ حمل ودفن في القبر وتفرّق الناس عنه وبقي في وحدة ووحشة يائسا عن جميع ماله وأعماله وأهله فما نفعه إلاّ ربّه ومولاه وهو واقف بين يديه سبحانه وتعالى بغاية الذل والمسكنة والقصور والخجلة ويلاحظ ذلك ( كربع شاغر ) ثمّ يقرأ الفاتحة وثلاث إخلاص بلسانه ويهدي مثل ثوابه إلى روح حضرة

42

إمام الطريقة وغوث الخليقة المعروف بشاه نقشبندية بهاء الدين محمّد الأويس البخاري قدّس الله سرّه العزيز ويستمدّ بالقلب منه ثمّ يلاحظ صورة روحانية مرشده بين حاجبيه أعني الناصية وبعمق النظر في ناحية الشيخ ويستمدّ بالقلب منه وهذه الملاحظة والتصوّر تسمّى رابطة شريفة ثمّ يطرح الصورة بالخيال في وسط قلبه ويدعها فيه ويتوجّه بالتوجّه التام بجميع حواسه إلى القلب ويتصوّر فيه معنى إسم الجلالة ومدلول كلمة الله وهو ذاته بلا مثل يفهم من الإسم الأقدس تعالى ويجعل قلبه مملوؤا يتذكّر المعنى المدلول وهذا الجعل يسمّى وقوفا قلبيا ولا بدّ من وجوده في جميع أوقات الذكر بل خارجها مهما تيسّر وهو الركن الأعظم للذكر ثمّ مع الوقوف القلبي يقول بلسان القلب إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي ثمّ يشرع في ذكر الله تعالى ويقول الله الله الله بالقلب لكن مق الوقوف القلبي المذكور

43

وتفريغ القلب من الخطر أن مهما تيسّر وبين كلّ مائة وأقل يكرّر بالقلب إلهي أنت مقصودي إلخ وإذا حصلت له غيبة وزهول عن الدنيا وتعطّلت حواسه ولو ببقاء شعور قليل بنفسه يترك الذكر تابعا لتلك الكيفية مستغرقا في الوقوف القلبي فإذا أفاق من نفسه يعود إلى الذكر وعند تمام الذكر وقطعه يبقى مدّة يسيرة مع ملاحظة الوقوف القلبي منتظرا إلى الوارد ومستحضرا في قلبه نزول فيض ثمّ يفتح عينه إذ قد يقبض عليه في تلك المدّة اليسيرة أمور غزيرة وإن لم تدركها . فصل في بيان كيفية الإشتغال بالذكر القلبي بإسم الذات وكيفية الإشتعال الأبدان يضع الشفّة على الشفّة والأسنان على الأسنان ويلصق اللسان بسقف الحلق ويطلق النفس على حاله ويتخيّل في القلب لفظة الجلالة ممعنا لها وهو ذاته الصرفة البحت من غير إعتبار الصفات والأسماء في تلك الذات المقدّسة ويستمرّ

44

على ذلك من غير إنقطاع ذلك التخيّل عن القلب وإن تكلّم باللسان عند الحاجة فلا ينقطع خياله عن ذلك ويجتهد في تطهير قلبه عن حضور ما سواه ولو من جنس سائر الأذكار ( الصفات ..) فضلا عن سائر الأمور ولو ذهل وخطر الغيرة إستغفر على الفور وتضرّع إلى الله تعالى على الخلاف عمّا سواه فإذا داوم في  (  القلب ... ) هكذا دام نسيان ما سوى الذكور فإذا أرسخ الذكر في القلب حق يكون حضور الذكور ملكة له نجيا (تكلّف ...) بأخطار غيره تعالى لم يخطر ينتقل فكره إلى الروح ثمّ إلى السر ثمّ إلى الخفى ثمّ إلى الأخفى ثمّ النفس الناطقة في الدماغ فإذا إرتسخ الذكر في لطيفة النفس حصل سلطان الذكر أي غلبته بات يعمّ على جميع بدن الذاكر بأن يسمع ويرى أنّ جميع بدنه يذكر لفظة الجلالة بل يعمّ على جميع الآفاق يعود لا يرى الذاكر شيئا من الحجر والسجر والمدد وغير ذلك إلاّ يراه ذاكرا بلفظة الجلالة فعند ذلك يتلقّى الذاكر من الشيخ

45

 

الكامل بالنفي والإثبات بحبس النفس ثمّ إعلم أنّ السالك إمّا أن يكون مجردا عن الأموال والعيال أو متأهل فإن كان مجردا فيؤمر بالعزيمة وهو أن يترك الدنيا وأهاليها مع ما فيها ويختار العزلة ويترك الخلطة مهما أمكن بشرط حفظ نحو الجمعة والجماعة ويقتصر على عبادته على الواجبات والسنن المؤكّدات والرواتب ويختار وظيفة الذكر على سائر الفواضل كلّهم إلى أن يحصل له تلك الملكة الحميدة التي هي حضور القلب مع الله تعالى على الدوام لأنّ شغل القوم في مكابرة خواطرهم ومعالجة أخلاقهم ونفي الغفلة عن قلوبهم لا في تكثير أعمال البرّ والذي لا بدّ لهم إقامة الفرض والسنن الرائية أمّا الزيادة من الصلوات النافلة وغيرها فإستدامة الذكر أتمّ لهم فإذا تطهّر قلبه عن تلك الصفات فحينئذ يصلح له جميع ذلك وهذا مادح عليه السلف الصالح لكن إن حصل فتور ولم يمكن دفعه بطرق فلا يعطل وقته ....... تمّت      


 
  3014847 visitors