شمس الشموس
  شهر مولد الحبيب
 

بسم الله الرحمن الرحيم

شهر مولد الحبيب المحبوب هو ربيع القلوب

 

ها قد أهل علينا ربيع الأول شهر مولد الحبيب المصطفى المختار من انفلقت من نوره جميع الأنوار واستضاءت بنور جبينه الأقمار وأشرقت بضياء طلعته شمس النهار سيدنا ومولانا محمد زين المرسلين الأخيار صلوات الله عليه وعلى آله الأطهار وصحبة الأبرار ما تعاقب الليل والنهار.

ها قد هلَّ علينا ربيع القلوب معطّرا بنسائم محبة الحبيب المحبوب الذي حبهُ حياة الأرواح وقوت القلوب وذكرهُ شفاءٌ للصدور والصلاة عليه نورٌ على نور.

هذا الحبيب الذي اصطفاه الله حبيباً منذ القِدَم وجعله سيد ولد آدم وأسبغَ عليه النِعَم وخصّه بالمكارم وآتاهُ جوامِعَ الكلم ورفع أمته المحمدية على سائر الأمم.

مرحباً أهلاً وسهلاً يا شهر الحبيب فاحَ مُذّ هلَّ هلالك المسكُ والطيب

 مرحباً أهلاً وسهلاً يا خير الشهور لاح مُذ هَلَّ هلالك البرّ والنور

 مرحباً أهلا وسهلاً يا شهر العطية فيك قد مَنّ علينا الله بخيرالبرية

 مرحباً أهلا وسهلاً يا شهر المحبة كل أوقاتك أنسٌ وصفاءٌ ومودة

مرحباً أهلاً وسهلاً يا شهر الولادة فيك قد لاحت على الكون السعادة

مرحباً أهلا وسهلاً يا شهر الشفاعة فيك قد جاءت إلى الدنيا البشارة

مرحباً أهلا وسهلاً يا شهر الرسالة أشرقت فيك علينا أنوار الهداية

مرحباً أهلا وسهلاً يا شهر الوداد جئت للدنيا بخيرٍ هاد. طه يس زين العباد

 فهو شهر الحبيب المحبوب هو ربيع القلوب. تنفتح فيه قلوب الطالبين لتلقي ما يتنزّل فيه من إمدادات الرحمة وواردات الأنس والشوق والمحبة فلا تبقَ محروماً من هذه النفحات الرحمانية والفيوضات النورانية وخذ لقلبك نصيبا من محبة هذا الحبيب العدناني الذي ما له في الحسنِ ثاني.

نور الوجود. سعد السعود. بدر الدجى شمس الضحى. كنزُ العطا. قبلة الأرواح والملائكة ووسيلة كل الأنبيا. يا سعد من يحظى بحبِّ من سجدت له الأملاك ولأجله قد دارت الأفلاك ذاك الذي قيل له "لولاكَ لولاكَ ما خلقت الأفلاك". ولجاهه خلقَ الخليقة كلها والله قد صلى عليه صلاته التي ليس لها من منتهى. وعلى الدوام يصلي الله على هذا الحبيب المصطفى.

فطوبى لعبدٍ قد تعلّق قلبه بحب حبيب الله واستطاب لسانه بذكر من قد رفع ذكره الله واستنارت بواطنه بنور متابعة من اتباعه يوصل إلى محبة الله(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)

طوبى لمن كان همّه التقرب إلى رسول الله وشغله وديدنه الصلاة والسلام على أكرم خلق الله عند الله وانهمك عقلهُ وفكره في التعرّف على رسول الله واستهلك قواه وجوارحهُ في خدمة أحباب رسول الله وإدخال السرور على قلوب الفقراء والضعفاء من أمّة خير خلق الله وزيّن ظاهره بما يرضى رسول الله من ارتداء العمامة والجبة وزيّ الإسلام الذي كان عليه أصحاب رسول الله عليه وعلى آله أطيب صلوات الله وأجمل صلوات الله وأكمل صلوات الله وأجلِّ صلوات الله. فسيدنا ومولانا رسول الله ليس بغائب عنا ولا ببعيد منا بل هو على الدوام معنا وهو أقرب إلينا من أنفسنا. وقد قال الله تعالى (وفيكم رسول الله) أي فيكم سرٌّ منه. فيكم نورٌ من نوره. ولكن حجاب النفس الظلماني يحجبنا عن مشاهدة هذا النور المحمدي . ومطالعة جماله الأبدي فإذا ارتفع الحجاب بدوام المجاهدة وصدق الطلب تجلّى نور المحبوب لعين المحّب. وحينها يوّلي ليل الهجر والنوّى ويهلُّ صبح الوصلِ والصفا. فإن لم تحظَ بالأنسِ فستبقى غارقاً في وحشة النفس فحتى متى هذا الجفا وإلى متى ترضى بان تبقى في منأى عن الأحبة. منغمساً في ظلمات الدجى. ظلمات النفس والهوى. أما في قلبك شوقٌ إلى اللقا أما في روحك توقٌ إلى بدر العلا. وكيف لا تشتاقُ إليه وقد خُلِقتَ كما خُلِقَ كل شيءٍ من نوره وكيف لا تحنُّ إلى الذي حنَّ الجذعُ إليه وبكى الجمّل عند قدميه والغزالة سلمّت عليه والأشجار سجدت بين يديه. والغمامة ظلّلتهُ والأحجار خاطبتهُ والقمر شُقَّ بإشارته وجبل أحد اهتَّز طرباً وفرحاً بوقوفه عليه وصحابته صلوات الله وسلامه عليه وعلى عترته.

فهل الجذع أولى بالحنين مِنّا إليه أم هل الجبلُ أحقُّ بالفرح منا به نحن الذين قد شرّفنا الله بأن جعلنا من أمته وخصّنا برحمته وكرّمنا بالانتساب لدعوته ورسالته. وقد نادانا هذا الحبيب يوماً وقال: أحبابي أحبابي اشتقتُ إلي أحبابي" فكيف يشتاقُ إلينا ولا نشتاقُ إليه؟! وكيف يذكرنا ونغفلُ نحن عنه؟ وكيف لا تتعلق قلوبنا بعروس الحضرة وفردوس الرحمة الذي كان على الدوام يقول أمتي أمتي" وكلما أعطيَ شيئاً من عطاء ربه كان يسأل بلهفة هل لأمتي مثله؟ وهو في سكراته يقول "أمتي أمتي اللّهمَ خفّف على أمتي. ويُبعث من قبره وهو يقول أمتي أمتي. ويوم القيامة يقول يا رب أُمتي أمتي. يا ربِّ لا أسألك فاطمة ابنتي ولا العباس عمي ولا صفية عمتي ولكن يا ربّ أمتي أمتي.

فكيف بعد هذه الرحمة وهذا العطف والحنان والمحبة نغفل عنه أو نحوّل قلوبنا عن دوام التوّجه إليه أو ندير ظهورنا لسنتّه أو نهمل اتباعه والتمسك بسيرته والسير على هديهِ وطريقته  أو ننشغل بالدنيا عن خدمة دينه ودعوته؟

حريٌّ بنا أن نقصر العمر عليه ونعمرّ أوقاتنا بذكره والصلاة عليه. ونقدّم أنفسنا وأموالنا فداءً بين يديه. ونجدّ السير إليه حتى الوصول إلى حضرته التي لا يدخلها إلاّ من فنى عن ذاته في محبته وأفنى أوصافه في أوصاف محبوبه وبغيته.

وإن كنا بعيدين عن هذا المقام محجوبين بحجب كثيفة من الظلام وبيننا وبين الوصول إلى المرام مسافاتٌ عظام.  

فإن صدق الطلب ودوام قرع الباب والوقوف ليلاً ونهاراً على الأعتاب حريٌّ بأن يفضي بلطفٍ وكرمٍ من الوهّاب إلى فتح الباب ورفع الحجاب ورؤية سيد الأحباب. فانهض الآن على ساق الجدِ والاجتهاد  واصدق في الطلب فإنَّ من طلبّ وجد (طلبنا وجدنا) وداوم على قَرعِ الباب عسى أن يفتح لك الباب ويقبلك في جملة الأحباب.

فلنجعل أحبتي من ربيع الأول موسماً نتعرض فيه لنفحات الرحمة (ألا إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها) ونتزوّد فيه بإمدادات المحبة. ونكثر فيه من الصلاة والسلام على خير البريّة وسيلة الخلائق إلى الله الذي أول من توسّل به إلى الله أبونا آدم عليه السلام حين قال (اللهم بحرمة أحب خلقك إليك اغفر لي فغفر له). ولنجعل من الصلاة والسلام عليه وردنا ليلاً ونهاراً على مدار أيام شهر المولد الشريف كله فإن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرة وبصلوات الله وملائكته يخرج العباد من الظلمات إلى النور (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور) فكلما أكثرنا من الصلاة عليه استنارت قلوبنا بنوره. ولنحرص على إقامة مجالس الصلاة على رسول الله في بيوتنا وفي بيوت الله. هذه المجالس المباركة التي تستمطر الرحمة وتُنزل السكينة والتي تحفّها الملائكة وتفوح منها الروائح المسكية. فما أحوجنا في هذه الأيام خاصة إلى مجالس الخير والرحمة هذه في زمن يتوالى فيه نزول البلاء على الأمة. وما نزول البلاء بهذه الشدة إلا لأنهم حين منعوا إقامة مجالس الصلاة على نبي الرحمة قطعوا بذلك نزول الرحمة. فإن أردتم استمطار الرحمة من السماء فأكثروا من الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء صفي الأصفياء سيد أهل الأرض والسماء. وإذا كانت الرحمة تتنزّل بذكر الصالحين فكيف بالصلاة والسلام على زين الملاح إمام أهل الصلاح الذي أرسله الله تعالى رحمةً للعالمين. ولنحرص أكثر من أي وقتٍ مضى على الالتزام بسنن الحبيب وآدابه وهديه وأخلاقه لحرمة شهر مولده صلوات الله وسلامه عليه. ولنجتهد في خدمة دينه ودعوته وإدخال السرور والبهجة على قلوب الفقراء والمساكين من أمته فقد قال الحبيب" من أدخل سروراً على قلب مسلم فقد أسرّني" أفلا تحب أن تسرّ رسول الله الذي يوميا تُعرَض عليه أعمال أمته فيستغفر لنا ولولا استغفاره ما قُبِلت توبتنا ولولا شفاعته لأمته ما يدرينا ما  كان سيكون عليه حالنا.

فلنجعل من شهر مولده موسماً تزداد قلوبنا فيه نوراً ولنملأ الدنيا فرحاً وسروراً بمولد النبي الهادي. وليكن شعارنا" حب النبي زادي والصلاة عليه وردي وإمدادي"

 

الفقيرة إلى الله

 أم مريم


 
  3107441 visitors