شمس الشموس
  مولد عروس الحضرة
 

بسم الله الرحمن الرحيم

مولد عروس الحضرة عرسٌ تقيمه الملائكة في السموات العلية

الحمد لله الغفور الودود الذي في مثل هذه الليلة الشريفة المباركة شرّفَ الوجود بأطيب مولود سيدنا محمد نور الوجود سعد السعود.

صاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء المعقود.

ففي مثل هذه الليلة المباركة شرفَّ الأكوان نبي آخر الزمان حبيب الرحمن سيد الإنس والجان من أُنزل على قلبه القرآن وتزيّنت لمجيئهِ كل الجِنان.

وما زالت السمواتُ السبع كل عام في ليلة مِولدهِ صلوات الله وسلامه عليه تُزّيّن بزينةٍ لا مثيل لها وكل الملائكة من عمّارها يصطفونَ في موكبٍ سماوي في حفلٍ استعراضي وهم يُحيَّون ويصلون ويسلّمون على الحبيب الأعظم في الحضرة الإلهية صاحب المكانة العليا والمنزلة الزلفى وقاب قوسين وأدنى.

كل الملائكة ومعهم أرواح المؤمنين حقاً من الأمة المحمدية أهل المحبة أهل الصفا أحباب الحبيب المصطفى إمام المحبين في حضرة قدس الإصطفا. كلهم سوية يقفون الليلة ليؤدوا السلام والتحيّة لأكرم خلق الله على الله وأحب خلق الله إلى الله وأعظمهم قدرا عند الله. حبيب الله وصفيّ الله ونجيّ الله وخير خلق الله ونور عرش الله وجمال حضرة الله ومفتاح رحمة الله عليه أجمل صلوات الله وأكمل صلوات الله وأجلُّ صلوات الله.

كلهم يقفون الليلة إجلالاً وتعظيماً لسيّد الأنام حبيب الملك العلاّم الذي خلقهُ الله من نور ذاته وألبسهُ أسماؤه وصفاته وأخرجه إلى خلقه وقال هذا حبيبي ونائبي من أحبه فقد أحبني ومن عظمّه فقد عظّمني ومن أطاعه فقد أطاعني ومن عصاهُ فقد عصاني.

كلهم يقفون الليلة وقلوبهم تخفق بالمحبة لخير البرية وكنز العطيّة من جعله الله سلطاناً على كل الخليقة فكل الحقائق تنجذب إلى حقيقته الكلية الحقيقة المحمدية الجامعة لكل أسرار البرية .

كلهم يقفون الليلة وأصواتهم تعلو بالصلاة على حبيب الله الذي على الدوام يصلي عليه الله صلاةً سرمدية. ترانيم الملائكة في السماوات العليّة تمتزجُ بالمدائح النبوية المتصاعدة من مجالس الصلاة على رسول الله التي تنبعث منها الروائح المسكية وتتنزل عليها الفيوضات النورانية والنفحات الرحمانية. وتحفّها الملائكة بأجنحتها. إنه عُرسٌ لا مثيل له يشترك فيه أهل أهل الأرض والسماء. احتفاءً بمولد صفيّ الأصفياء إمام الأنبياء سيّد أهل الأرض والسماء الذي كل ما يمكن أن يقال في حقّه صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه لا يعدو قطرةً في محيطات عزّه ومجده التي منحها له ربه.

عرسٌ لا مثيل له الليلة في الأرض والسما بمولد عروس الجمال من زينّه ربه بالحسن والجمال وحباهُ بالكمال وألبسهُ حلّة الجلال. فلم يحظَ أحدٌ من الخلق بما حَظِيّ به حبيب الحق من كمال الخَلقِ والخُلق. فقد لبّسه الله بصفاته الالهية وجمّلهُ بأنواره القدسية وأرسله إلى خلقهِ ليكون دليلاً عليه يوصل به من أراده إليه فهو مرآة تعكس جمال وجلال الحق (من رآني فقد رأى الحق) وهو خليفة الله المطلق .

فالله واحدٌ  أحد وخليفتهُ في هذا الوجود أحمدٌ أحمد. الله واحد وخليفته الذي يمثلّهُ في خلقه لا بد أن يكون واحداً أوحد. فلا يمكن أن يكون لله الواحد الأحد إلا نائبٌ واحد هو سيدنا ومولانا محمد حبيب الملك الصمد صاحب العزّ  والفخر والمجد حامل لواء الحمد صلى الله عليه وسلم وكرّم وشرّفَ ومجّدَ .

وبهذا الواحد الذي هو فرد الوجود وسرّ الوجود ونور الوجود يحتفل الليلة كل الوجود. يا لها من ليلةٍ ذات أُنسٍ وصفا ليله السعد والفرح والهنا ليلةٌ سطع فيها النور على العوالم كلها.. ليلة مولد الحبيب المصطفى  أنيسُ الأملاك الذي خاطبه ربه قائلا (لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك) لم يكن ثمة أحد هناك. هذا الخطاب من الملّك الوهاب إلى سيد الأحباب كان قبل خلق الأكوان كان حيث لازمان ولا مكان. فالله تعالى خاطب وجها لوجه حبيبه الأحب إليه صلوات الله وسلامه عليه.

فكيف بعد هذا كله لا نحتفي بمولده ولا نفرح بليلة قدومه وسطوع نوره صلى الله عليه صلاةً تنوّرنا بنوره وتكرمنا بحضوره.

كيف لا نملأ الدنيا فرحاً وسروراً بمولد من جعله الله لنا سراجاً منيراً زده يا رب عزّاً وشرفاً ونوراً وسروراً وصلِّ عليه صلاةً تقربنا إليه وتجعلنا أهلاً للمثول بين يديه. وقد أمر الله تعالى المؤمنين فقال جلَّ من قال (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) . فضل الله القرآن ورحمتهُ محمد صلوات الله وسلامه عليه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107). أمرٌ من الله تعالى للمؤمنين أن يفرحوا برحمته المهداة إلى العالمين بسيّد الأولين والآخرين. بإمام المرسلين. بخاتم النبيين.

قائد الغرّ المحجّلين إلى جنّات النعيم وجوار الكريم . صلى الله عليه صلاة تدوم إلى أبد الآبدين. الله تعالى يقول "فليفرحوا" وبعض الجهلة من المسلمين يقولون لا . لا تفرحوا بمولده. بل يقولون الاحتفاء بمولده بدعة!!!

ألا يعلمون بذلك أنما هم يحاربون الله! ويعترضون على أمر الله ويخالفون شريعة الله ويناقضون كلام الله !

الله تعالى يعظّم حبيبه ويصلّي عليه ويأمر المؤمنين بتوقيرهِ وبتبجيلهِ والفرح بمولده. وهم يقولون تعظيم النبي شرك. والاحتفال بمولده بدعة. فهل هؤلاء يتبعون القرآن أم يتبعون تعاليم الشيطان؟!

فالشيطان هو أكثر الخلق حَسداً لخاتم الرسل سيد الأكوان. فهو يحسده على المقام الرفيع الذي وُهِبَ له من ربه. وهو يسعى على الدوام وراء أبناء أمته حتى لا يدع أحداً يعظمّهُ ويوقرّهُ ويُجّلهُ حسداً مِنهُ له.

لذلك كل من لا يعظّم حضرة النبي صلى الله عليه وسلم الحبيب الأعظم والخليل الأكرم فإنه يحذو حذو الشيطان ويتبع خطاه وَمسلكهُ.

لذلك فإن أهل الايمان في هذه الليلة الشريفة المباركة يحتفلون بمولدِ سيّد الأكوان حبيب الرحمن. أما المنافقين أتباع الشيطان فإن دمهم يفور في ربيع مولد النور فيبدؤون بالصراخ في كل مَحفل ومحضر وما تخفي صدورهم أكبر: "بدعة بدعة بدعة". ولكن أيها الجهلة كيف يكون بدعة الاحتفال بمولد شفيع الامة من بنوره تجلى الظلمة وبالصلاة عليه تنكشف الغُمّة؟

بل فرضٌ واجبٌ على الأمة  الاحتفاء بمولدهِ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وإحياء هذه الليلة الشريفة المباركة بالصلاة والسلام على خير الأنام وبدر التمام ومصباح الظلام المظلّل بالغَمام.

فإن الفرح بمولده من دلائل محبتهِ ومحبتهُ عقدٌ من عقود الإيمان التي لا تتم إلا بها. وعلى العكس فإن عدم إظهار السرور بمولد نور النور وبدر البدور ومصباح الصدور من علامات النفاق ومن الجفاء لسيد الأنبياء.

وأهل الجفا الذين لم تذق قلوبهم من كؤوس محبته شراباً صافياً قد تيبّست قلوبهم في صحراء البعد والجفا فهم (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ )(المنافقون: من الآية4) .

وهم يريدون لكل الأمة أن تكون قلوبهم خالية من المحبة أن تكون قلوبهم (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ) لذلك يمتلئون غيظاً وحسداً كلما رؤوا أحداً من أمة الحبيب يعظمّه ويوقرهُ ويقفُ احتراماً وإجلالاً له كلما ذكر اسمه الشريف أمامه. فهل يحسدون الرسول على المقام الرفيع الذي منَحهُ له ربه أم يعترضون على الله الذي هو بذاته جل جلاله يعظّم حبيبهُ ويوقرّهُ ويجّلهُ عليه صلوات الله وسلامه؟

دعكم من هؤلاء الجهلة الذين يتبعون الهوى بدل اتباع الحبيب المصطفى وتعالوا لنحتفل الليلة بمولد نور الهدى بدر العلا الذي فلق نوره الدجّى.

تعالوا لنجتمع الليلة حول موائد محبتهِ في مجالس الصلاة عليه حيث تدارُ بين الحاضرين كؤوساً من شراب محبتهِ. فتميل أجسادهم وَجداً وتسيلُ دموع العاشقين صَباً شوقاً للقائهِ ورؤيته ومطالعة بهاء طلعتهِ وكيف لا نشتاقُ إليه وقد اشتاق هو إلينا صلوات الله وسلامه عليه وقد نادانا "أحبابي أحبابي اشتقت إلى أحبابي" أفلا نناديه واشوقاه رسول الله اشتقنا إليك يا حبيب الله.

وكيف لا تحنّ قلوبنا إليه وقد حنَّ الجذع اليابس إليهِ وعلا أنينَهُ ونحيبه ولم يهدأ حتى وضع كفّه الشريفة عليه.

حريّ بنا أن نذرف الدمع طول الليالي شوقاً إلى حبيبنا فلا يسكن المحبَّ إلا بلقاءِ محبوبه ولا يهدأ قلبه إلاّ بوصاله.

وهكذا حال المحبين في دموعٍ وشوق وحنين حتى يلقاهم الحبيب المحبوب  طبيب القلوب عند حوضه فيسقيهم من كفهِ الشريفة شربةً هنيئّة تطفئ ظمأ ليالي الهجر بحلاوة الوصال وتذيب وحشة الفراق  بأنسِ اللقاء بذلك الحبيب الذي قد تفرّد بالجمال وحاز كل الكمال .

وإنها ليلةٌ مباركة فلنعرّض قلوبنا لما يتنزّل فيها من نفحات الرحمة وفيوضات النور والخير والبركة ولنملأ الدنيا فيها بالصلاة على رسول الله حبيب الله نور عرش الله عليه أسمى صلوات الله وأزكى صلوات الله وأسنى صلوات الله.

 

   الفقيرة إلى الله

       "أم مريم"  


 
  3082533 visitors