شمس الشموس
  08.01.2013
 

الشام في المرآة

سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني قدس سره

8 يناير 2013 – 26 صفر 1434

كانت هناك حانة قديمة في بلاد الإنكليز. وللحفاظ على تلك الخانة، غير الإنكليز اتجاه الشارع، وشقوا الطريق في اتجاه آخر. أما هؤلاء الخونة، فلم يتركوا أي شيء من القديم. أنظروا كيف أن الإنكليز حافظوا على القديم. وصورتها لا تزال في ذهني .. أستطيع أن أراها. الخانة على هذا الجانب، مبني من الحجر، وهي مغلقة. والشارع يلتف حولها .. فهل بقي شيء هناك، لم يدمره هؤلاء؟ ولو استطاعوا، لهدموا هذا أيضاً، (يشير إلى صورة الكعبة المشرفة) .. دمرهم الله! وهذا ديدنهم في كل مكان .. في الشام أيضاً، هدموا الجامع الكبير – جامع يلبغا، الذي يزيد عمره عن سبعمائة سنة. ولم ينبس أحد ببنت شفه. سينزل على رؤوس هؤلاء شيء ما.

وحضرة الشيخ حسن الجباوي أيضاً، أقلقوا راحته في مرقده. في عهد الانتداب الفرنسي على الشام، هموا بنقل حثمانه الشريف إلى مكان آخر، ليشقوا طريقاً مكانه. وعندما أمر الحاكم الفرنسي لتلك المنطقة، بإزالة الضريح، أتاه في المنام وهدده قائلاً، "تعال وحركني، إن كنت قادراً على ذلك؛ أنت وجنودك!" في اليوم التالي أمر الحاكم أن يوقفوا العمل.

والآن، هؤلاء الخونة لم يتورعوا عن فتح ضريحه ونقل جثمانه. لم هذا؟ .. لغرض التوسعة وشق الطريق. لأجل ذلك هدموا الضريح. لم يكن هو يريد تغيير مكانه. وعندما استُخرج جثمانه الشريف، وجدوه كما هو لم يتغير، بل طري وكأنه دفن قبل لحظات. كان ذلك ولي الله، الشيخ حسن الجباوي، الذي كان مدفوناً هناك منذ خمسمائة سنة. كان أول زيارة قمت به في الشام، زيارة مقامه. وقد قابلت مولانا الشيخ عبد الله الداغستاني هناك. لقد استخرج سبعة أولياء من ذلك المقام وأكفانهم ما زالت عليهم. وذاك .. ماذا كان اسمه؟ .. حفيد الشيخ .. ماذا كان اسمه؟ سيوفي؟ .. عندما فتح قبر ذلك الولي، وُجد ممدداً هكذا، وكفنه ما زال عليه. فقال الولي، "لن أنهض!" قال له حفيده، "هذا أمر من ولي الأمر وعلينا أن نطيعه" .. قال الولي، "دمرهم الله!" .. واستسلم للأمر. ونقلوه إلى مكان آخر لدفنه هناك. مولانا الشيخ عبد الله الداغستاني لم يكن حاضراً آنذاك .. ولا أنا كذلك. وكان الجثمان الشريف يدور من على رؤوس أصابعهم .. لم يكن يريد الانتقال من مكانه. لقد نقل من مرقده إلى مسافة، ما يعادل المسافة بين مكاني هذا إلى المسجد. قال، "دمرتم بيتي .. دمر الله بيوتكم!" .. دمروا ذلك الميدان كله.  

أنظروا إلى أدب الإنكليز بالمحافظة على آثارهم القديمة. وانظروا إلى خيانة شعبنا الغدار. توبة يا ربي .. توبة أستغفر الله. كان رجلاً عظيماً. عندما كان السلطان سليم الثاني ذاهباً إلى مصر في حملة عسكرية، توقف هناك لزيارته وطلب منه الدعاء. وذهب إلى مصر حاملاً دعاءه. وبكرامة دعائه استطاع فتح مصر. لقد قاموا بازعاج ولي عظيم القوة. قال "دمر الله بيوتكم، كما دمرتم بيتي!" .. واليوم اجتاحوا ذلك الميدان بالمدافع والبنادق.

أخبرني مولانا الشيخ الأكبر أن الفرنسيين عندما احتلوا الشام في نهاية الحرب، ووصل الجنود الفرنسيون إلى سوق مدحت باشا .. قال، "كنت جالساً هكذا، في العلية أنظر من الشباك. لم يكن هناك أحد في الشارع. لا عساكر ولا مدنيين من أهل الشام .. لا نساء ولا رجال؛ من سوق مدحت باشا إلى هنا. فقط كتيبة من العساكر الفرنسية تمشي". كان مولانا الشيخ الأكبر يراقب من تلك العلية .. كان لحضرته الإذن في التصرف، لكنه لم يقل ذلك. قال، "أخرجت الجميع من تلك الغرفة، وبقيت أنظر لوحدي من الشباك" .. مولانا الشيخ .. حضرة سلطان الأولياء، كان أسداً. قال، "جلست هكذا، أنظر إلى الجنود الفرنسيين، وهم يمشون من سوق مدحت باشا إلى تلك الناحية .. كانوا يتجهون إلى الميدان .. كنت جالساً أنظر إليهم عندما بدأوا فجأة، بالتراجع إلى الخلف والفرار من المكان" .. نظرة واحدة من السلطان منعهم من التقدم خطوة واحدة إلى ذلك الاتجاه .. السلطان هو مولانا الشيخ الأكبر. نظرة منه جعلهم يتفرقون، ولم يستطع أحد منهم من التقدم خطوة أخرى نحو الميدان.

يا ولي الله! .. آه يا شام الشريف. آه يا شام الشريف! .. هؤلاء الناس خربوا البلاد. ما أجملهم كانوا، أهل الشام! .. كانوا يتحلون بالحشمة والأدب والأخلاق .. واليوم يقولون، "نحن نجند بناتنا" .. ما شاء الله!  .. تلك هي أفعال أولئك الخونة. وأهل الشام نائمون. إن كنتم تريدون تجنيد أولادكم، فلماذا لا تبعثون الذكور منهم إلى المدرسة العسكرية؟ ولكن أن تجعل البنات يرتدين زي العساكر في المدارس العسكرية؟ هل تلك هي وظيفة المرأة؟ ما هذه الوقاحة؟ .. يقول الله جل جلاله، "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ"، (33:33)، (مولانا يقف تعظيماً لله تعالى) .. جلت عظمته.

أولئك الملاعين قالوا، "قمنا بترقيم كل أحجار جامع يلبغا ونقلناهم. وماذا بنوا الآن في مكانه؟ موقف سيارات. .. حولوه إلى موقف سيارات وتركوه. لم يعترض أحد عن هذا .. لا الشيخ كفتارو ولا أي مفت آخر. لم ينبس أحد ببنت شفه. والآن جعلوا الناس هناك رأساً على عقب. ولحسن الحظ، زاويتنا على رأس الجبل؛ جبل قاسيون، لذلك لم تتضرر.  

جبل قاسيون فيه، مقام الأربعين ولياً ودفن فيه الأولياء السبعة وسيدنا ذو الكفل عليه السلام وسلطان الأولياء عبد الله الداغستاني وسيدنا محيي الدين ابن عربي وحضرة الشيخ النابلسي وأصحاب الكهف. ولكن هذا لا يهمه أحد. وهؤلاء الخونة لم يسلط عليهم من دون سبب. مصطفى طلاس، وزير الدفاع السوري، أو من يقوم مقامه في هذه الأيام .. هذا الفقير، ليس عنده صلاحية أصغر قائد بالفعل .. كم مرة ذهبت إلى هناك، أنت وزوجتك ..؟

الشيخ محمد: نعم.

مولانا: هذا الشخص عاجز. لا يحكم، بل محكوم .. وضعتم أرض الشام كله، في أيدي العلويين؟ كيف يمكن أن يكون هذا؟ وهذا لا يهمه أحد، ولا يسأل عنه أحد. الجميع مشغول بالتجارة والعمل واللهو والتجول .. "إذا فسدت الشام، فسد العالم كله"
حَدَّثَنَا ‏‏يَزِيدُ ،‏أَخْبَرَنَا ‏‏شُعْبَةُ ‏، ‏عَنْ ‏مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ ،‏ ‏عَنْ ‏‏أَبِيهِ ‏‏قَالَ :‏ ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِذَا فَسَدَ أَهْلُ ‏الشَّامِ ، فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ ، وَلَا يَزَالُ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".

قلبي مليء بالمشاعر والأحاسيس، ولكن من أكون أنا؟ ما أنا سوى عود ثقاب أو أدنى من ذلك .. فالعظماء فوق .. هناك رجال عظماء أعلاه، ولكن لم يعطوا الإذن بعد .. لم يؤذن لهم بعد. هناك الأربعون من البدلاء، والنجباء والنقباء والأوتاد والأخيار. وهناك طائفة من الجن التي تحمي تخوم الشام. واحد منهم قادر على قلبهم رأساً على عقب، ولكن أُمروا أن لا يتدخلوا .. " أتركوهم وشأنهم! .. ملؤوا الشام بالباطون والإسمنت ووضعوا التماثيل في كل مكان، ولزم الجميع الصمت. هل الشام هو المكان المناسب لنصب التماثيل؟ وحتى أنهم قاموا بخداع الناس ونصبوا تمثال صلاح الدين الأيوبي عند مدخل سوق الحميدية. وهم لا يدرون أن صلاح الدين الأيوبي يلعنهم على فعلتهم هذه .. لا أحد يعرف مثل هذه الأشياء. ولا يعلم أحد السر في ذلك. لا تأتي المتاعب على العبد إلا إذا تخلى عن إنسانيته وأصبح وحشاً شرساً.

في الشام، كانت النساء؛ كلهن متحجبات. ولم تكن واحدة منهن تكشف عن وجهها. وهؤلاء جعلوا بناتهم يرتدين الزي العسكري، وقساة القلوب يأمرونهم بذلك. ترسل ابنتك إلى المدرسة العسكرية كي تصبح جندية؟ والله سبحانه وتعالى يقول، "وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ" .. والآن جميعهم، تم تأديبهم.

الشام .. وما أدراك ما الشام! .. واحد من أولياءه، قادر على منع هؤلاء، حتى من الدخول إلى كوخ .. ولكن قيل لهم، "أتركوهم" .. توبة يا ربي .. توبة أستغفر الله .. هؤلاء لم يتركوا مدارس ولا مؤسسات ولا أوقاف ولا علماء ولا المفتي إلا وتدخلوا فيهم لإفسادهم. وقاموا بتهديد الناس، وأطلقوا النار على الشيخ محمد الشامي وقتلوه قبل عدة سنين. كان رجلاً نظيفاً وكان بريئاً، لم يفعل شيئاً .. قتلوه لغرض تهديد العلماء، ليس إلا. وقاموا بقتل نجل الشيخ كفتارو في الشام، وهذا أيضاً لغرض التهديد. ليبقى القلوب مشغولة بذلك. حضرة الشيخ الشامي، المرحوم الشيخ محمد الشامي .. أياً كان من أطلق النار عليه .. لأي سبب أطلقوا النار عليه؟ ولماذا قتلوا نجل الشيخ كفتارو في الشام؟ .. فعلوا ذلك لإخافة العلماء ودحرهم .. هزمهم الله ومنعهم من الدخول في الشام مرة أخرى! الفاتحة.

عشت في قبرص حتى سن العشرين، ولم أدخل مركز شرطة.  وكذلك، بعد أن غادرت قبرص وسافرت إلى بريطانيا، لم أدخل في مركز شرطة، ولم تطلبني الشرطة. أما في تركيا، فطلبوني مئات المرات. وفي الشام آلاف المرات .. عده أنت .. عندما سافرت إلى بيروت، كنت معي. حينها، كانت الفوضى تعم البلاد، ذهبنا إلى بيروت. لا أذكر بالتحديد، إن كانت وجهتنا إلى دمشق الشام أو إلى حلب .. سبحان الله! في المطار، هؤلاء الخونة سمحوا لك (الشيخ محمد) ولأمك ولنزيهة، بالدخول ولم يسمحوا لي. لم أسامحهم أبداً .. وكانوا دائماً يلاحقوننا .. كل يوم. وكنا معروفين كإنكليز. هكذا سُجلنا في مكتب جوازات السفر، لذلك حسبوني مواطن إنكليزي .. وتحقيقات مستمرة .. باختصار، لم أتمكن من الدخول في أرض الشام، وعدت أدراجي إلى بيروت. وكانت الإشتباكات قد اندلعت في بيروت، في ذلك الوقت. لذلك ذهبت إلى عمان لوحدي، من هناك. وأقمت عند الشيخ أحمد أفندي. ثم جئت أنت ونزيهة إلى هناك .. الله يحفظك! .. حديثنا لا ينتهي .. هؤلاء، أهانوا الإسلام .. وأهانوا المهاجرين. وأهل الشام لم يظهروا محبة تجاه الإسلام والمسلمين. وكان قد بدأ في ذلك الوقت، حرب عصابات هنا وفي تركيا .. الحمد لله، مررنا كل هذه الأحداث وعدنا إلى هنا .. الحمد لله. إن شاء الله، سأكون مع السلطان الذي سيدخل الشام منتصراً .. جميعنا سنكون معه، إن شاء الله! .. تستطيع أن تملأ كتاباً عن كل ما تحدثنا عنه ..

الشيخ محمد: نعم، الكثير من الكتب .. ما شاء الله!

مولانا: نعم .. هم أعداء الإسلام وأعداء المسلمين .. القائد العسكري، كان يجلس هناك كالحيوان، يسألني "لماذا أتيت إلى هنا؟" "جئت لأعيش هنا" .. "ولماذا تريد أن تعيش هنا؟" "لأقدم الخدمة" .. وأخيراُ قال، "حسناً يمكنك أن تذهب"، وأعطاني تأشيرة لمدة شهر أو 15 يوماً .. ثم أعطونا لاحقاً تأشيرة لمدة سنة. ولكن التحقيقات لم تزل جارية وكانوا يلاحقونني كل الوقت بتهمة أنني جاسوس بريطاني .. واليوم، طردوا جميعاً، كلهم. عاقبهم الله أينما كانوا .. يا رب أعف عنا .. أعف عنا. الفاتحة.
 
  3011323 visitors