شمس الشموس
  23.02.2013
 

سرّ الطريقة العلية

سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني 

23 فبراير 2013 – 13 ربيع الثاني 1434

عندما سئل مولانا الشيخ، هل يستطيع المريد في الطريقة العلية أن يحضر مجلس ذكر الطرق الأخرى أو يأخذ عنهم أورادهم، استطرد مولانا قائلاً:

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. مدد يا سلطان الأنبياء، سيد الأولين والآخرين. طريقتنا الصحبة والخير في الجمعية. تلك هي الأصول في الطريقة العلية. والهدف من الصحبة تربية المريدين. والتربية ليست بالعصا، أبداً.. بسم الله الرحمن الرحيم .. والمشايخ على قسمين: منهم من يربي ومنهم من يدل على الطريق. وشيخ التربية أعظم وأجلّ. وهو الذي يعرف الطريق. وبدونه، ربما ضلوا وأضلوا غيرهم. وفي هذه الطريقة العلية نحتاج إلى مرب كامل يسلك العباد إلى طريق الحق. ومشايخ التربية قلّ وجودهم في هذا الزمان. ولا يسمح لهم بالظهور .. أي ممنوع عليهم أن يظهروا في الساحة؛ إلا المأذون في الطريقة العلية فله الإذن في التعليم والتحدث عن الأمور الخفية والجلية.

بسم الله الرحمن الرحيم .. في هذا الزمن، هناك واحد وأربعون طريقة. كلها مغلقة، إلا واحدة فبابها مفتوح؛ وهي الطريقة النقشبندية العلية. وأئمة سائر الطرق، لا بد وأن يحظوا على تربية روحانية على يد شيخ كامل من الطريقة النقشبندية العلية يكمل سلوكهم. وهذا لا بد منه. وإلا سيبقون في مكانهم.

مولانا الشيخ، سلطان الأولياء، المذكور اسمه في السلسلة الذهبية للطريقة العلية، هو آخر من حمل السر الأعظم للطريقة النقشبندية العلية .. وقد تركنا ومضى .. وترك مكانه شخص ما، يدير الطريقة النقشبندية العلية. أما سائر الطرق فمندرسة، أي مغلقة.

في ما مضى، كان أتباع الطرق يسيرون على سهل منبسط، ولا يجدون أي صعوبة في السلوك. واليوم يمشون صعوداً ولا يملكون القوة للاندفاع والصعود إلى أعلى، إلا أتباع الطريقة العلية. ولا بد أن يعرف أتباع الجماعات الأخرى من أصحاب الطرق؛ من شاذلية وغيرها، أنه في هذا الزمان قوة المحرك عند النقشبنديين، وليس عند غيرهم. يجب عليهم أن يعرفوا ذلك ويسلكوا فيها. لا يوجد في زمننا من هو أهل لهذا الموضوع، من شاذلي وغيرهم من سائر الطرق سواهم، ولو بحثت بين المشارق والمغارب. لأنهم وصلوا الآن إلى حالة صعود ولا يملكون القوة لذلك. لذلك جلسوا يأكلون ويشربون ويتمتعون .. يقولون نحن شاذليون أو قادريون أو رفاعيون أو أي طريقة أخرى من الإحدى وأربعين طريقة. هم يحبون أن يصلوا بهذا الأسلوب. ولكن لا يمكنهم أن يصلوا بدون محرك .. عندما كانوا في السهل استطاعوا أن يسيروا. ولكن عندما وصلوا إلى التل .. "ماذا علينا أن نفعل؟" .. "اجلسوا هنا حتى يأتي المحرك ليدفعكم إلى أعلى. وإلا لا يمكنكم أن تستمروا في السير!" ..

أحياناً أتباع الطرق الأخرى يدعوننا .. يقولون، "تعالوا، انضموا إلى مجلسنا!" اذهبوا إن شئتم .. فهم يحبون أن يجلسوا ويذكروا ويستمتعوا بدعوى أن شيخهم كان كذا أو ذاك. نعم شيخكم كان كما تدعون. ولكنكم لستم على خطاه .. أصبحوا مثل العنب المضغوط .. وانغمسوا في هذه الحياة الدنيا.

أصبحنا في زمن قلّ فيه الرجال. لم يبق فيه رجل صادق، واختفى كل الأولياء. هكذا يقولون .. الأولياء اختفوا عن الأنظار. وهذه الجماعات تقول كلاماً، ولكن ليس عندهم السر. لا يوجد عندهم سر الطريقة. إذا كان الطريق سهلاً يسيرون. ولكن عندما يصلون إلى التل يحتاجون .. ما يسمونه، جهاز نقل الحركة (الفتيس).

منذ ستين سنة، أركب السيارة وأنا جالس بجانب السائق، ولم أعرف بعد كيفية نقل الفتيس من الغيار الأول إلى الثاني إلى الثالث. تلك الجماعات مثل هذا .. لا يوجد عندهم سائق. كلهم يأتون ويحاولون القيادة .. لماذا؟ .. مع أي شيخ أتممتم سلوككم؟  .. أيهم كان مأذوناً؟  .. من أعطاكم الإذن في السلوك؟ .. لكن نعود ونقول، كما قال عليه الصلاة والسلام: "من تشبه بقوم فهو منهم"، و"يحشر المرء مع من أحب"، (الحديث). هم محبون .. ولكنهم يحبون طريقتهم أكثر من الطريقة العلية، لذلك يبقون فيها. دعهم يستمتعوا بما تعلموا وانتهى الأمر .. إذ لا يوجد لديهم محرك لنقلهم إلى أعلى. من الواضح أن سلسلة ساداتنا النقشبندية، في ما بين المشارق والمغارب قد تمت بمولانا، سلطان الأولياء، الشيخ عبد الله الداغستاني.

الأمر يحتاج إلى الجد .. من جدّ وجد. هم يلبون لنفوسهم كل ما تشتهيه، ثم بعد ذلك يدّعون، "نحن أتباع الطريقة العلية". هل هكذا هي الطريقة؟ .. أبداً! أنتم مثل من خرج للتنزه. فليظهر أحدهم وليقل أنا مسلّك! .. (مولانا يطبق شفتيه ويمسحهما بأصابعه إشارة أن أحداً لم يقل).

من يحب أن يجلس مع تلك الجماعات، لا مانع عندنا .. هو لديه ما يعطي. ولكن لا يوجد عند هؤلاء ما يعطونه. إن حضر معهم ونال منهم فائدة فهذا من حظه. وإلا فهي مضيعة للوقت.

لم يبق شيخ. الأولياء اختفوا. المشايخ الحقيقيون هم أولياء الله. وهم ليسوا بحاجة أن يظهروا أنفسهم ويدعوا الناس إليهم .. لا. ولكن زيارة الإخوان لبعضهم البعض مسموحة .. يمكنهم ذلك .. لا توجد مقاطعة. إذا أحب زيارتهم فليفعل ذلك. ولكن إذا رغبوا في منحه عطية، فليس لديهم سوى النحاس أو التنك، بينما هو يملك الذهب والماس. هذا أمر دقيق.

نحن في زمن اختفى فيه الأولياء .. كان مولانا الشيخ عبد الله الداغستاني يقول: "يوجد في الشام أربعون ولياً". وعندما كان يمشي في الشارع مروراً بسوق الحميدية، متوجهاً إلى الجامع الأموي، كان الناس يتوجهون إلى الطرف الثاني من الشارع، هيبة منه. لكن لم يكن ذلك يؤثر عليه أبداً. كان مشبعاً بالحقائق .. هكذا هم أولياء الله. لا يحبون أن تفشى أحوالهم أبداً .. لا يوجد إذن.

يدخل في الجامع الأموي يومياً أربعون من الأولياء، ويجلسون عند سيدنا يحيى، على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام .. منهم من يجلس نصف ساعة ومنهم من يجلس ساعة، ومنهم من يجلس عشرون دقيقة. عندما جاء الأمر بالاختفاء اختفوا. لا تسألوا عنهم .. ولا تبحثوا عنهم. لأنكم لا تملكون الميزان الذي يُعرفون به. احفظوا الأدب مع الكل، لكي لا يمسك بكم أحد. إنهم أولاد الرسول، صلوات الله وسلامه عليه .. عنده جذبة روحانية (يشير إلى أحد الموجودين) .. ينجذب إليه الناس، ويحبون أن يكونوا معه .. لا يوجد مانع. هو يعطيهم ولكن هم لا يعطونه شيئاً. ثبتنا اللهم على طريق الحق. نحن لا نريد هذه الدنيا .. الدنيا جيفة وطلابها كلاب، اجلكم الله!

يقولون، "عندنا الآلاف من المريدين" .. أنظر! أنت عبد وأنا عبد. ليس هناك شيء آخر. من منهم يعلّم الأدب، يمكنك أن تأخذ منه ولا مانع في ذلك. ولكن إذا لم يكن هناك أدب، فهذه إضاعة للوقت. ما دام ينتفع منهم وهم يحبون أن يحضر معهم، لا مانع عندنا. إن طلبوا منك أن تحضر معهم، فأحضر لهم معك شيئاً يفرح قلوبهم .. لا مانع من ذلك. نحن لا نمنع أي إنسان. والفقير أفقر الناس وأعجز الناس (قالها وهو يشير إلى نفسه) 

(ثم يستطرد مولانا قائلاً بروح الفكاهة المعهودة عنه): "ترى هل الغيوم تتحرك يمنة ويسرة بواسطة محرك أم بواسطة بطارية؟ هذا ما أشغل فكري .. فلدي الكثير من الوقت لأفكر في مثل هذه الأشياء".

شيخ بهاء الدين يضحك ويقول: "يعني متقاعد".

مولانا: "متقاعد ولكن، ما شاء الله! نشيط .. دعه يفكر بذلك، هل السحابة تتحرك بواسطة محرك أم يتم سحبها بالصنارة .. (مولانا يضحك) .. هذه هي وظيفتي .. إذا أحبوا ذلك أهلاً وسهلاً وإلا فليبحثوا عن كيفية حركة الغيمة. هل يتم سحبها أم تتحرك بمحرك؟ .. بينما أنا أنظر في الأمر، يأتي شخص ناقص العقل، "كحالتي"، (حاشاه) يسأل عن أشياء فيغيظني .. "يا هو، تفكيري مشغول الآن" .. "بماذا تفكر يا شيخ أفندي؟" .. "أفكر في الغيوم، هل يتم سحبها بواسطة صنارة أم بواسطة آلة؟"

الشيخ بهاء الدين: "هذا ما يفكر به الشيخ" .. (ضحك) .. ثم يقول مولانا الشيخ مازحاً: .. أذنت له .. أجزت له أن يسأل عن مثل هذه الأشياء .. (مولانا يضحك)، أشغل نفسك بمثل هذه الأشياء .. ماذا عسانا أن نفعل؟ إنه هو العلي الأعلى الكريم المولى ..

بعض الناس، عندما يظهرون أسبهم .. هذا تعليم لأهل هذا الزمان، لا يفهمون إلا بهذه اللغة .. عفا الله عني. الأولياء يضحكون من كلامي. يفرحون عندما أتكلم هكذا. لأن الكل يجلس هكذا (مولانا يصطنع وجهاً جدياً .. والجميع يضحكون .. ثم يكمل مولانا مزحته قائلاً): "بماذا تفكر يا شيخ؟" .. "أفكر كم طن وزن تلك السحابة؟" .. "أليس عندك شغل آخر؟" .. "لا، أنا متقاعد .. أفكر أن أضعها في الميزان كي أزنها". "أيها الفقير .. لا تؤاخذني" .. أكرمكم الله! الفاتحة
 
  3082576 visitors