شمس الشموس
  إسحاق عليه السلام
 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنتقل النور إلى إسحاق عليه السلام

ذهب الملائكة الثلاثة إلى إبراهيم عليه السلام قبل الذهاب إلى لوط عليه السلام لإخباره بالعذاب القادم على قومه . لقد أنعم الله عزّ وجلّ على إبراهيم عليه السلام بثروة كبيرة . فلديه قطيع كبير من الغنم والماعز والجمال , ولديه خيم وأواني جميلة  . بالإضافة إلى ذلك كان يتاجر بالطحين والزيتون وجميع أنواع الأكل . وكان لديه أصدقاء وأتباع من مختلف البلاد  .

 كان إبراهيم عليه السلام في غاية الكرم . لقد كان الزوّار يقصدونه من مختلف المدن ليتذوّقوا كرمه . لم يكن هناك رجل مثله في كرمه ولطفه . فهو لم يأكل يوما غذاءه دون أن يكون هناك على الأقلّ زائر واحد على الغذاء .

في أحد الأمسيات دقّ على بابه ثلاثة مسافرين . قبل المسافرون إستضافت إبراهيم عليه السلام لكنّهم رفضوا أن يأكلوا من أكله أو يشربوا من شربه . خاف إبراهيم عليه السلام من الزوّار , وإعتقد بأنّهم يكنّوا له الشر لأنّهم لم يشاركوه الطعام .

أخبر الزوّار إسحاق عليه السلام بأنّهم ملائكة ولا يكنّوا له الشر, لكنّهم لا يستطيعوا الأكل والشرب مثل أبناء آدم عليه السلام . لقد أرسلوا من الله عزّ وجلّ ليخبروا إبراهيم عليه السلام وساره عليها السلام بأنّهم سيرزقوا بطفل . لكن ساره عليها السلام ضحكت عندما سمعت النبأ . فكيف يحدث ذلك ؟  فزوجها كان يناهز عمره الماءة سنة , وهي في الثمانين من العمر, وقد فقدوا الأمل في أن يرزقوا بطفل . لكن بعد تسع أشهر جلبت سارة عليها السلام طفلا صبيا وسمّوه إسحاق . إسحاق يعني " إنّها ضحكت " .

فرح ساره وإبراهيم عليهما السلام لمولد الطفل . فقد كان النور المحمّدي يشع من جبهته لدرجة أنّه ينير الظلمات به .

أصبح إسحاق عليه السلام رجلا, وكان يشبه أباه لدرجة كبيرة . في ذلك الوقت لم تكن تظهر علامات الشيخوخة على الإنسان , لذا كان من الصعب التمييز بين الأب والإبن . لكن الله عزّ وجلّ منح إبراهيم عليه السلام الشعر الأبيض والذي هو علامة الوقار للتمييز بينه وبين إسحاق عليه السلام .

تزوّج إسحاق عليه السلام فتاة مؤمنة تدعى رفقة عليها السلام . لقد كانا يرعيا القطيع الذي تركه له والده ويعتنيا ببيت الضيافة الذي كان مفتوحا في عهد والده . وهكذا فإنّ إبراهيم عليه السلام قد ترك ثروة وأتباع كثر لولده . كان إسحاق عليه السلام يذهب كلّ سنة إلى الحجّ إلى مكّة , ويزور أخاه إسماعيل عليه السلام وعائلته . تزوّج إبنه البكر إبنة عمّه إسماعيل عليه السلام .

كان لدى رفقة عليها السلام ولدين آخرين , توائم . منذ أن كان الولدان في رحم الأم كان بقدرة الإنسان سماعهم يتشاجران في بطنها . كان الصبي الذي ولد أولا كبيرا وقويا وقد سمّوه آس عليه السلام . كان آس عليه السلام محبوبا عند والده . أمّا الصبي الثاني فكان ضعيفا وحساسا وقد دعي يعقوب عليه السلام . كان يعقوب عليه السلام حبيب أمّه .

وهكذا كبر الولدان بشخصيات مختلفة  . لقد كان آس عليه السلام  ضخم الجثّة , يغطّي الشعر جسده  ,عنيفا , محاربا , صيّاد ماهر , ولا يخشى أيّ شيء . فقد كان يصطاد الأسود في البراري ويروّضها  . . أمّا يعقوب عليه السلام فقد كان لطيفا ,صغير الحجم , يرعى الأغنام لحمايتهم من الذئب , ويقضي الوقت في تأمّل معجزات الله عزّ وجلّ في خلقه .

عندما كان إسحاق عليه السلام على فراش الموت , طلب من رفقة عليها السلام أن تجلب له إبنه آس عليه السلام ليباركه وليمرّر له تابوت العهد وعطيّة النبوة . لكن رفقة عليها السلام كانت تفضّل أن تنتقل النبوّة إلى يعقوب عليه السلام . نادت رفقة عليها السلام  يعقوب عليه السلام وطلبت منه أن يذبح خاروفا , ويجلب اللحم لوالده , وأن يغطّي نفسه بالصوف مدّعيا بأنّه آس عليه السلام . فعل يعقوب عليه السلام ما طلبت أمّه .

 أصيب إسحاق عليه السلام بالعمى في سنّ متأخرة . عندما أتى يعقوب عليه السلام إلى أبيه  غمره والده معتقدا بأنّه آس عليه السلام بسبب الشعر الذي أحسّ به تحت يديه . أكل إسحاق عليه السلام من اللحم الذي قدّمه له ولده , ووضع يده على رأسه وباركه بالبركة التي أراد أن يعطيها لآس عليه السلام . دعا إسحاق عليه السلام أن يكون إبنه  أبا لسلالة طويلة من الأنبياء . وهذا ما حصل لاحقا . فقد إنحدر جميع الأنبياء من سيّدنا إسحاق عليه السلام , ما عدى النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم .

طلبت رفقة عليها السلام من إبنها أن يهرب ويختبئ . فهي تعرف بأنّه إذا عرف  آس عليه السلام بمكيدة أخيه سيحاول قتله . إختبأ يعقوب عليه السلام وسافر ليلا إلى أقاربهم في الجنوب .

رجع آس عليه السلام مساء ووجد أن ورثه قد سرق . كان بقدرة إسحاق عليه السلام أن يعطي آس عليه السلام البركة , ولكن بسبب غضبه رفض آس عليه السلام ذلك حالفا بقتل أخيه ليسترجع ما سرق منه . لكن آس عليه السلام كان مخطئا لأنّه لا يمكن لأيّ شخص غير مناسب أن يسرق النبوة من الله عزّ وجلّ إذا لم يكن يستحقّ ذلك . لقد كانت النبوّة محتمة ليعقوب عليه السلام .

فليبارك الله عزّ وجلّ إسحاق عليه السلام وليمنحه السلام .        

 
  3107447 visitors