شمس الشموس
  ساموئيل عليه السلام
 

بسم الله الرحمن الرحيم

إنتقل النور إلى ساموئيل عليه السلام

بعد موت يوشع عليه السلام لم يبعث الله عزّ وجلّ بنبيّ آخر لبنو إسرائيل  لمدّة ثمانين سنة . في هذه الفترة نسي بنو إسرائيل وعدهم ليوشع عليه السلام وإستغفارهم لله عزّ وجلّ . ونسوا أيضا وصايا التوراة لهم وتعاليم أنبياءهم, فعاقبهم الله عزّ وجلّ بغزو البلاد المجاورة لهم والسيطرة عليهم .

بدأت القبائل الإثني عشر بالشجار بين بعضهم البعض , لأنّه لم يكن هناك رئيسا ليقودهم . وأكبر أعدائهم كان قوم يدعى ملكهم جالوت . كان جالوت كبيرا وضخما , ورأى في عدم وحدة قبائل بني إسرائيل فرصة له ليغزوهم . إستطاع جالوت أن يقضي على الفصائل الصغيرة التي تصدّت له , وسطا على تابوت العهد الذي أورثه إيّاه أنبياءهم . كان بنو إسرائيل قد وضعوا التوراة المحفورة على الألواح في تابوت العهد الذي كانوا يأخذوه معهم في غزواتهم ليجلب الحظ لهم .

في السنة التي إستولى فيها جالوت على تابوت العهد رزقت هنّا رضي الله عنها طفلا ولدا . لقد كانت هنّا رضي الله عنها غير قادرة على جلب الأولاد بسبب تقدمّها في السن . بالرغم من ذلك فإنّها رزقت ولدا وسمّته ساموئيل عليه السلام .إسم ساموئيل يعني " الله إستجاب لها " . لقد كان النور المحمّدي يسطع من جبينه كالشمس عند الظهيرة .أرسل ساموئيل عليه السلام  إلى المعبد ليتعلّم القانون عند الكهنة . وعندما بلغ التاسع والعشرون من عمره بلّغ بأنّه رسول الله المختار .

بدأ ساموئيل عليه السلام يطوف في البلاد ويتحدّث مع  من يريد أن يستمع إليه من الناس . كان يذكّرهم بوعدهم وقانونهم  وبالله الواحد الذي خلقهم والذي يحبّهم . في ذلك الوقت كان الذعر واليأس يدبّ في البلاد . كان الذعر موجودا بسبب تطويق العدو لهم , وكان اليأس متفشيا لأنّه دون تابوت العهد وقائد يقودهم لن يستطيعوا البقاء أحياء .

طلب بنو إسرائيل من سموئيل عليه السلام أن يجد لهم شخصا ليكون ملكهم وليسترجع تابوت العهد وليقضي على أعدائهم . خاف ساموئيل عليه السلام أن يعيد شعبه كرّة الماضي , حيث خذلوا قادتهم ولم يذهبوا إلى القتال . بالرغم من ذلك سأل ساموئيل عليه السلام الله عزّ وجلّ أن يعيّن عليهم ملكا من بينهم .

في يوم من الأيّام جاء رجل يدعى طالوت إلى ساموئيل عليه السلام  طالبا منه المساعدة في تحديد مكان جمله الذي فقده . كان طالوت رجلا ضخما وجميلا لكن عائلته كانت وضيعة . أخبر الله عزّ وجلّ ساموئيل عليه السلام أنّ طالوت هو الملك الجديد , وعلامة ذلك أن تابوت العهد سيعاد اليهم . تعجّب ساموئيل عليه السلام من ذلك . لقد كان طالوت راع  فقير وغير متعلّم, وغير محضّر ليأخذ هكذا منصب . لم يفرح بنو إسرائيل بهذا القرار , وشكّوا في قدرات الملك الجديد . لكن عندما رأوا كيف تحمل الملائكة تابوت العهد وتضعه في بيت طالوت سلّموا للأمر. فبغضّ النظر عن شكل أو أصل الإنسان فإنّ قيمة الإنسان تكمن في قلبه . لقد إختار الله عزّ وجلّ طالوت .

تسارع بنو إسرائيل لمناصرة طالوت وأعدّوا العدّة لمحاربة جالوت . عندما وصلهم خبر عدد جيش جالوت بدأت عزيمتهم تخفّ . وعد طالوت الشعب أن يزوّج إبنته لأيّ رجل يقتل جالوت , لكن بنو إسرائيل بدؤا بالتهرّب شيئا فشيئا . وصل جيش طالوت إلى نهر , فطلب منهم  طالوت أن لا يشربوا كثيرا وإلاّ فإنّهم سيمرضوا ولن يستطيعوا المحاربة . كان هذا أوّل أمر لهم وأكثرهم لم يطيعوه . وهكذا لم يبقى من المئة ألف جندي سوى أريعة آلاف جندي حاضرين للمعركة . في المقابل كان جيش جالوت يتعدّى الثمانين ألف .

خابت عزيمة بنو إسرائيل , فجيش جالوت يفوقهم عددا وقد تحدّى جالوت أيّ منهم ليبارزه في القتال .  لم يجرأ أيّ منهم على القتال  . صنع ساموئيل عليه السلام بذّة محارب وأعطاها لطالوت وأخبره بأنّه من تناسبه البّذة سيكون بطل بني إسرائيل . أمر طالوت بنو إسرائيل بتجربتها لكنّها لم تناسب أيّ منهم .

من بين المحاربين كان الأولاد الثمانية لجسّا رضي الله عنها . لقد كانوا شجعان وأصيبوا بخيبة الأمل عندما لم تناسب البذّة أيّ منهم . كان لديهم أخ صغير في الثالث عشر من عمره يدعى داوود عليه  السلام وكان صغيرا لعمره .

لقد كان داوود عليه السلام يمتلك عينتين كبيرتين وجميلتين وصوت عذب , لدرجة أنّ الطيور كانت تتوقّف عن الطيران عندما يبدأ بالغناء . لم يسمح له والده بالقتال لذا كان يجلب الطعام لأخوته . كان داوود عليه السلام يحمي قطيع والده من الأسود لذا أصبح متمرّسا في إستعمال المقاليع . عندما سار الجيش للحرب تسلّل داوود عليه السلام خلفهم وتبعهم . عند وصوله أخبر أباه بحادثة غريبة تعرّض لها . فقد حيّاه ثلاثة بحصات على الطريق وأصرّوا عليه أن يأخدهم معه , فأخذهم معه. لقد كانوا فعلا ثلاثة حجارة من الجبل الذي تفجّر عندما طلب موسى عليه السلام من الله عزّ وجلّ أن يريه وجهه . عندما رأى طالوت داوود عليه السلام أصرّ أن يجرّب البذّة كباقي بنو إسرائيل . ولشدّة دهشتهم فإنّ البّذة ناسبت داوود عليه السلام بالرغم من أنّه كان أصغر من الجميع الذين بدت البذّة كبيرة عليهم . لكن هذا لم يكن دليلا على ربحهم . حضّر بنو إسرائيل للمعركة , وبكى أخوة داوود عليه السلام على موت أخوهم المحتم .

وقف داوود عليه السلام ليواجه جالوت وخلع البذّة الذي أعطاه إيّاه ساموئيل عليه السلام . سخر جالوت منه وطلب منه أن يعود إلى أمّه . أخرج داوود عليه السلام مقلعه ووجهه على رأس جالوت . وجّه الله عزّ وجلّ الأحجار الثلاثة على جبهة جالوت فوقع ميتا . ذعر جيش جالوت من الحدث فهربوا فتبعهم اليهود الذين إنتصروا عليهم .

عاد ساموئيل عليه السلام وداوود عليه السلام وطالوت إلى القصر وسط فرح عارم من الشعب . لكن الغيرة دبّت في قلب طالوت لأنّ الناس أشادوا بداوود عليه السلام أكثر ممّا أشادوا به . لم يزوّج طالوت إبنته لداوود عليه السلام كما وعد . عاش داوود عليه السلام في القصر يصنع سلسلة البريد بيده بطريقة جديدة كما علّمه الله عزّ وجلّ . أحبّت إبنة طالوت الصغيرة داوود عليه السلام وطلبت من أباها أن يزوّجها إيّاه . بعث طالوت داوود عليه السلام إلى معركة ضدّ الأعداء دون تابوت العهد متأملا أن يقتل هناك . لكن بإرادة الله عزّ وجلّ عاد داوود عليه السلام منتصرا ولم يعد هناك خيارا أمام طالوت إلاّ أن يزوّجه إبنته .

تملّك الشيطان من طالوت . لقد رأى الملك في كثير ممن حوله أعداء خياليين حتّى في قلب داوود المحب . لقد قدّر الجميع داوود عليه السلام أكثر من طالوت وأصبحت الغيرة في قلب طالوت لا حدود لها . نصح ساموئيل عليه السلام طالوت للمرّة الأخيرة لكنّه لم يستجب له . عاد ساموئيل عليه السلام إلى بيته مصطحبا داوود عليه السلام حيث توفي هناك ودفن .هكذا أصبحت بنو إسرائيل دون نبي .

فليبارك الله سموئيل عليه السلام وليمنحه السلام .

 
  3011519 visitors