شمس الشموس
  22.11.2009
 

بسم اللهم الرحمن الرحيم

الإنسان كنز مخفي

سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني

 

(مولانا الشيخ يقف)

بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! الله أكبر الله أكبر،  لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد!

يا ربنا، اغفر لنا، وبحرمة أشرف عبادك في حضرة قدسك، أرزقنا من محيطات رحمتك اللامتناهية. ذرة من محيطات رحمتك، أو أقل منها، تغيّر كل شيء! يا ربنا، كرمك عَجز عن وصفه الواصفون! اغفر لنا وبارك لنا بحرمة أشرف عبادك في حضرة قدسك، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم! الله زده عزاً وشرفاً ونوراً وسروراً ورضواناً وسلطاناً. زده سلطاناً يعم جميع الخلائق، يستمر من الأزل إلى الأبد. (مولانا الشيخ يجلس).

يا ربي، يا ربي، يا ربي، نحن عباد ضعفاء! ونقول، الحمد لله، الحمد لله، والشكر لله، حمداً وشكراً لا ينتهيان. الحمد لله الذي خلقنا ورزقنا من النعم ما لا يحصى عدداً. من المستحيل أن تحصي عدد محيطات النعم، وأن تعرف من أين يبدأ وأين ينتهي. لأن كل شيء ينتمي إلى ربنا، الله سبحانه وتعالى، لا متناهي. {وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}.

يا سيدنا وسيد هذه الأرض، نطلب من حضرتكم، بتواضع دعماً ورعاية. نحن نطلب أصغر شيء من ذاك المحيط. لتكن بحجم الذرة أو الإلكترون أو النيترون أياً ما كان، فهذه أصغر الأشياء التي نعرفها.

نطلب فقط، أقل شيء من الدعم السماوي، ليعيننا في الجلوس والاستماع إلى مثل تلك المعرفة التي تنتمي إلى السماء. مثل ذلك الدعم يأتي إلى الأرض عن طريق سيد هذه الأرض والمسؤول عليها. من غير سيد يدبر شؤونها، لن تقدر هذه الأرض أن تتحرك، ولا أن تعرف مسارها، ولا أن تعرف مهمتها. مَثلها، كمثل السيارة، إن لم يقم السائق بقيادة السيارة، فهل ستعرف السيارة أين تريد أن تسير وما هي الوجهة التي تريد أن تتجه إليها؟ لا، إنما يجب أن يكون هناك سائق يسوق تلك السيارة إلى وجهتها الحقيقية. كذلك، هذه الأرض تُوجّه إلى مسارها من قبل سيدها. هذا مهم. 

لذلك علينا أن نؤمن، بأن كل شيء في الوجود يجب، أن يفهم وجهته الحقيقية، من سيد هذا الكون. أقول الوجهة الحقيقية، ليفهم الناس، لأن الوجهة الحقيقية لا يعلمها أحد، مستحيل. كيف لأحد أن يعرفها!  إلا أن سيد هذا الكون يعرف كيف يوجّهه، على حسب ما أُمر به. فهو يوجهه يميناً أو شمالاً، أو إلى الأمام أو إلى الخلف، ربما إلى أعلى ولكن ليس إلى أسفل!

يا مستمعيّ! إنهم يرسلون إليّ أشياءً؛ إذا تحدثنا حولها، فلن تكفي مئات أو آلاف المحاضرات والخطابات، لنوفّي حقها، ونعرض المقام الحقيقي  لمولانا الشيخ الأكبر، سيد هذه الأرض. هو الآمر والموجّه لهذه الأرض. لا شيء في الوجود يُترك من دون منسّق أو مدير له.

نعم! أحياناً أعرف الإنكليزية! كيف يحدث هذا؟ (ضحك) نعم. الليلة، سوف نسأل مولانا، ما هو ضروري لبني آدم. يجب أن يبدؤوا التعلم من البداية، وشيئاً فشيئاً يتحسنون. سوف يبدؤون المسيرة من الأرض نحو السماوات! من بدأ بالتحرك  والارتقاء من الأرض، ينسى بدايته، لأنه دائم التطلع والنظر إلى السماء. ينظر ويسأل عن المخلوقات التي تعترض طريقه، فيجتازهم ويكمل مسيره، ويرتقي. ذاك أمر مهم!

نحن لم نخلق، لنعيش على هذه الأرض فترة قصيرة، ثم نموت وندفن في إحدى المقابر. لا، تلك ليست الحكمة الحقيقية، أو إرادة ربنا الحقيقية من أجلنا. لا أحد يعلم مشيئته عنك، ولا عن ذاك. لا أحد يعلم مشيئة خالقه نحوه أو نحوها. حتى هذا الكوكب الذي استوطناه، لا يعرف، من هو الآمر له؟ حتى ذاك الآمر، لا يعرف، حتى تأتيه الإشارة والإذن من مصدر أعلى، من رئيسه. يعتقد الناس، أن هذه الأرض، وحياة البشر فيها، أمر بسيط. ولادة وحياة وموت، وينتهي الأمر. تلك عقلية من لا عقل له!

يا دكاترة، هل يمكنكم أن تخاطبوا نملة وتتحدثوا معها؟  إن قلت ’لا‘، فسيكون مستواك أدنى من مستوى النملة!

القرآن الكريم يوضّح كل شيء! فيه سورة كريمة تدعى، "بسورة النمل". تمعّن فيها وحاول أن تفهم! كيف ستفهم، وأنت تعيش في الظلام، ولا تتمكن من رؤية أي شيء؟ لن تتمكن من رؤية شيء، ولن تتمكن من قراءته، ولن تفهم شيئاً وأنت في الظلام! لذلك، أنت تحتاج إلى فتوح. فتح رباني من خلال بصرك. وبصرك تبع لبصيرتك (لقلبك). إذا لم تُفتح (البصيرة) القلب، فببصرك لن ترى شيئاً.

تنظر وترى شيئاً. حتى النملة، ترى شيئاً؛ على حسب إمكانيتها وقدرتها تنظر وترى. وهب الله سبحانه وتعالى كل شيء مقداراً من الفهم، وفقاً لقدرته، كما وهب له فتحاً على حسب طاقته وقابليته. وقد نادت نملة في وادي النمل. إذا صرخت ونادت نملة، فكيف بإمكانك أن تفهم ما تقوله؟

{حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} (النمل: 18)

"أيها النمل! انطلقوا بسرعة وعودوا إلى جحوركم. احموا أنفسكم من ’سليمان‘ وجنوده، حتى لا يطئوكم بأقدامهم، فيؤذونكم، وهم لا يشعرون!" تلك نملة! إنها تعرف شيئاً. عليها أن تعرف شيئاً. إن كانت النملة تعرف شيئاً، ألا تعتقد أنها تعرف شيئاً عن خالقها؟ يا علماءنا السلفية! إنهم أناس حاسدون. لماذا تغارون وتحسدون؟ إن الله يرزق كل واحد كما يريد.

بقية النمل لا يعرفون سرّ هذا الخطاب، حتى نادت تلك "النملة" فأوصلت نداءها إلى آخر الوادي. وأنتم يا أصحاب التكنولوجيا،  تفتخرون بآلة اللاسلكي(التوكي ووكي). عندما كنت صغيراً كنت أسمع عن جهاز لا سلكي، تتكلم من خلاله وأنت تمشي.

إيه، يا بروفيسورات وهابيون، هل تعرفون مثل هذه الأشياء؟ لا، أنتم لم تتعلموا مثل هذه الأشياء، أبداً. أنتم تعلمتم فقط، أن تقولوا، "الصلاة والسلام" بدعة وحرام، أو تقولوا، إن خطوت خطوة إلى الشمال كفر، وإن خطوت خطوة إلى اليمين بدعة، وإن تقدمت إلى الأمام شرك، وإن رجعت إلى الوراء حرام. علمكم، شيء من هذا القبيل.

انظروا في القرآن الكريم بتمعن، لتفهموا شيئاً. مَن مِن سكان هذه الأرض، شرقاً وغرباً، بإمكانه التحدث عن مثل تلك المعرفة السرية؟ أنا لا شيء، هم يجعلونني أتحدث. مثل هذا لا يقبل أي اعتراض، لأن من يمكنه أن يعترض، يجب أن يفوق علمه علمي. وعلمي مجرد عن ’المستوى‘. فأنا مجرد، عن أي ’مستوىً‘ من العلم، أي لا أعرف شيئاً. أنا لا أعرف شيئاً. ولكن، هناك الكثير من الناس، مُنحوا العديد من الأسرار، بحيث لن تتمكن من الاقتراب منهم. وإن حاولت الاقتراب منهم، فإنك كطفل صغير، لن تفهم شيئاً. هم من بين بلايين البشر في العالم، علمهم، علم سري. لعامة الناس سرّ ولكنه ليس سراً لهم. الذين يتقدمون إلى الأمام يمنحون في كل خطوة معرف أخرى. من يصعد إلى فوق، فإنه يحظى بمنظر وبرؤية أخرى. في كل درجة يصعد فيها، يأتيه مظهر آخر.

أيها الناس! حسب ما ورد في الأحاديث الشريفة، وما جاء في الكتب المقدسة، أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم على صورته. بما أن العديد سيعترضون، ويقولون هذا كفر، خاصة الوهابية وعلماء السلفية، ولكنه ورد في عدة  أحاديث صحيحة منها ما ورد من حديث ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{لا تُقبحوا الوجوه، فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن}، (صححه الأئمة أحمد وإسحاق بن راهويه).

معنى هذا الكلام، ليس مثله أو شبيهه. وإنما معناه، كما يريد، منحه صفاتاً إلهية ولكن شتّان، شتّان ما بينهما. لا يمكن أن يصبح الإنسان كخالقه، لا بدءاً ولا آخراً! ولكن الله سبحانه وتعالى وهب للإنسان صفاتاً إلهية مثل السمع والبصر والكلام والشم، ومثل المعرفة والحركة. رب السموات، وهب للإنسان شيء من هذا. "شيء" أمام "كل شيء" يعني "لا شيء". هذا الموضوع عميق جداً. إنما أراد الله سبحانه وتعالى أن يعطي وصفاً لخليفته. والخليفة لا بد وأن يحمل شيئاً من الصفات الإلهية أو من الصفات الربانية، وإلا فلن يكون خليفة.

لنفترض أن الحمار خليفتك، هل هناك من رابط بينك وبين الحمار؟ إذن كيف يمكن أن يكون خليفتك؟ هذا حمار وأنت رجل. لا يمكن أن يكون هناك رابط. فإذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يتخذ خليفة له، فيجب أن يتحلى بالصفات الربانية. وأن تكون "خليفة"، فإنما هو فقط، لفظاً وحروفاً، ولا شيء سواه. لا أحد، يمكنه أن يعرف الحقيقة الخالصة. الإنسان هو خليفة تقليدي (زائف).

أعطينا فرصة من رب السموات. إذا اتبعنا (سلكنا) طريق الهدى وسألنا القرب من رب السموات، فسنحظى بشيء من العطاءات. وإن كان حجم هذا العطاء كحجم المحيط، فإنما يكون "شيئاً" وليس "كل شيء". الوجود غير المحدود والذات غير المحدودة فقط له، ولا لأحد سواه. لا يمكن لأحد سواه! ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يوجد خلقاً جديداً. خلقاً آخر جديداً عن المخلوقات التي كانت موجودة من قبل. يقول الله سبحانه وتعالى، {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ}، (البقرة، 30). ومراتب الخلافة لا حصر لها! لا يمكنك أن تعرف من أين تبدأ وأين تنتهي.

أيها الناس! وسِّعوا (نشطوا) فهمكم وجددوا معرفتكم، واجتهدوا لتحصلوا على درجات عُلا من الفهم، لمثل تلك الأسرار. أسرار الموجودات أو أسرار الأحوال (المقامات). يقال، حضرة الله، حضرة الرسول وحضرة الإنسان، ما معنى هذا؟ إنه تشريف سماوي مُنح للبعض. لا يُقال لأي أحد "حضرة". إنما هو تكريم يأتي من قِبَلِ السماء. مقامنا مقام الخلافة، وتكريمنا على حسب وجودنا الحقيقي. وجودنا الحقيقي، لا يمكن أن يُعرف من الأزل إلى الأبد. إنه محيط، وليس محيطاً واحداً، وإنما محيطات لا حصر لها.

أيها الناس! كل من أتى ليستمع لمثل هذه الأمور وتقبّلها، سيؤجر (سيكافأ)، أياً كان. في كل خطوة يخطوها، سيُعطى من المحيطات اللامتناهية، التي أُعدت للخلفاء. يقول رب السموات في الحديث القدسي،

{كنت كنزاً مخفياً فأردت أن أُعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني}

هذا الكنز لا يمكن لأحد أن يفتحه. كذلك الإنسان، كخليفة  هو أيضا كنز مخفي، ومفتاحه في يد رب جميع الخلائق. إن لم يفتحه هو، لا يمكنك أن تفهمه؛ من هو الإنسان وما هي مهمته؟ وما هي حقيقته؟ وماذا يحمل في طيّاته؟ إذ أن الله سبحانه وتعالى وهبه من صفاته الربانية، ما لم يمنحه للآخرين. وهبها فقط للإنسان، لأنه خليفته. وكل خليفة هو كنز مخفي، إلاّ أن يفتحه الله عز وجل فحينئذ يُعرف.

ولكن الله سبحانه وتعالى يقول، {كنت كنزاً مخفياً} لا يمكن لأحد أن يعرفه، مستحيل. إنه واحد أحد ولكنه جعل الناس خلفاء له. وجعل خلفاءه أيضاً كنوزاً مخفية لا يعرفهم أحد إلا ربهم، حتى هم أنفسهم لا يعرفون ذاتهم؛ عن وجودهم من البداية إلى النهاية.

غفر الله لنا.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد!

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

يا مستمعينا! السلام عليكم، هذا السلام سيحفظكم؛ سيحفظكم من كل فهم خاطئ، ويفسح لكم المجال للوصول إلى مراكز هوياتكم الحقيقية. هذا مهم! عندما تقول، "السلام عليكم"، إذا كنت على خطأ، فإن ذلك "السلام"، سيحملك على تصويب أفعالك، لتتصل بوجودك الحقيقي، فتحظى برؤية ما مُنح لك من ربك، الله سبحانه وتعالى، من عطايا. السلام عليكم.الفاتحة.

هووو

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

عندما يرتقي خليفة من الخلفاء، ويقترب من وجوده الحقيقي، فهو يقترب من كنوزه، التي مُنِحت له. ويهلّ عليه عيده الأكبر، السعادة العظمى، أكثر الأيام بهجة وشرفاً! ويساق في موكب، ويُكرم تكريماً سماوياً! فينطلق خطوة أخرى، ليرتقي إلى أعلى، فيكرم أكثر فأكثر وكلما ارتقى مرتبة يتم استقباله بحفل استعراضي سماوي تشريفا وتكريما له . ذلك الرجل المجهول، قد قُبل من عند ربه خالقه، الله سبحانه وتعالى.

شكراً لك يا رب.

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم

عليكم أن تسمعوا تلك الأناشيد، التي تنشدها الملائكة.ترانيم الملائكة وهي تحيّي وتمجدّ الإنسان المكرم، الذي يرتقي درجة فوق درجة، يترقى من مرتبة إلى مرتبة كما قال الله، سبحانه وتعالى في كتابه العزيز، { لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ}، (الانشقاق، 19). وفي قراءة أخرى {لَتَرْكَبَنَّ}، بباء مفتوحة. يا علماء السلفية! حاولوا أن تتعلموا معنى هذا. إنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، "يا حبيبي يا محمد، إنك سوف ترتقي من مقام إلى مقام، وكذلك أمتك.  وصيغة المضارع تفيد الدوام. الفاتحة.

 

 

 

 

 

 

 
  3082527 visitors