شمس الشموس
  09.05.2011
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"لا بد من مرشد حسيّ أو منح للدلالات" 

مولانا الشيخ ناظم الحقاني


9أيار 2011

في المسجد الأموي، في الشام الشريف، هناك وسادة تحت المنبر. يقولون، أن السلطان عبد الحميد، جعل الله مثواه الجنة، كان يأتي إلى هناك من إسطنبول كل ليلة في الثلث الأخير من الليل، ليجتمع مع الأولياء في حضرة النبي يحيى عليه السلام للتهجد ولقراءة الورد الليلي. وكانت الوسادة قد وضعت ليجلس عليه. كان عند خلفاء المسلمين قوة سبعة أولياء على الأقل. أما حكام هذا العصر، فلديهم قوة سبعة شياطين. يظنون أن أحداً لا يعرف حقيقتهم. ولكننا نعرف.

الضيف: إنهم لا يعلّمون تاريخنا بالشكل الصحيح في الجمهورية.

مولانا الشيخ ناظم: طبعاً. وفي الأثر، "خاطبوا الناس على قدر عقولهم". عليك أن تخاطب الناس على قدر ذكائهم ومرتبهم في الفهم. ولا تخاطبهم بكلام أعلى من مستواهم ولا أقل.

 

 

حول كتاب تفسير القرآن الكريم للشيخ جبّة لي أحمد

 

مولانا الشيخ ناظم: شيخ محمد أفندي، هل رأيت هذا الكتاب؟

مولانا الشيخ محمد أفندي: رأيته، ولكني لم أقرأه.

مولانا الشيخ ناظم: اطلعت على عدد من صفحاته. ووجدت فيه مواضيع عديدة يصعب على عامة الناس أن يفهمها. فيه الكثير من المسائل على مستوى المناقشة والبحث بين العلماء. مثل، "هل لمس المرأة ينقض الوضوء؟" وقد كتب عن هذه المسألة صفحات عديدة. ومثل، "هل يجوز قراءة سورة الإخلاص الشريف في المسجد؟" فهناك الكثير من أمثال هذه المواضيع طرحت في الكتاب على مستوى رفيع في الكتابة، قلّ أن تجد من يفهمها. ربما لن تجد عشرة أشخاص في تركيا يمكنهم أن يفهموها. ولكن هذا الكتاب موسوعة، يحتوي على مكتبة بأكملها. أظن أنه 30 مجلدا، قاموا بطبعه إلى الآن ربما 15 مجلداً؟  .. هل رأيته؟

الشيخ محمد: رأيت عدداً منها.

مولانا الشيخ ناظم: هل رأيت على الأقل واحداً منها؟ منهج الكتاب معقد غاية التعقيد. وعامة الناس فهمهم في أدنى المستويات؛ لا يتجاوز مرتبة الصفر. لذا، إذا قام أحدهم وأراد أن يخاطب عامة الناس، فعليه أن يخاطبهم على مستوى الصفر. مثلي تماماً، فعلى هذا المستوى أخاطبهم، "طالع نازل" .. أغمسهم في الماء ثم أسحبهم ..

 

وهذا الكتاب على مستوى رفيع، عن الفقه والأحكام التشريعية في الإسلام. ولكن مثل هذا، لم يعد يعطي نوراً للمسلمين في الجمهورية التركية. مثل هذه الكتب لا يعطي إرشاداً للأمة. فالناس ليسوا على مستوى هذه الكتابة.

 

زارني بعض البروفسورين قبل عدة أيام. نالوا شهادة البروفيسوراة في الدين الإسلامي، وهم يعلمونه في المعاهد. سألتهم إن كانوا يعرفون أن ينشدوا مديحاً نبوياً. قالوا، "الحمد لله، نعرف". فأنشدوا لي قصيدة. فأمثال هؤلاء، لا يوجد في إسطنبول من يفهم لغتهم والمستوى الذي يكتبون به الكتب. والطلاب يئسوا من هذا الأمر، ولا يفهمون شيئاً من أساتذتهم. فماذا عساي أن أفعل، فتحت فمي، وبدأت أخبص بالكلام. فبدأوا يضحكون .. استمعوا لكلامنا وخرجوا ..

الضيف: لقد شاهدت تلك الصحبة.

مولانا الشيخ ناظم: حقاً؟ أين شاهدتها؟

الضيف: لقد بثوه في موقع   "Saltanat TV"في الإنترنت.

مولانا الشيخ ناظم: هل قلت شيئاً غير صحيح؟

الضيف: كان حديثك رائعاً. جاءوا إليك في مولد النبي عليه الصلاة والسلام. رأيت ذلك، فقلت في نفسي أن مولانا الشيخ سيقوم بتوبيخهم .. الشيخ أحمد الجبيلي رجل فطن. وله دراية واسعة في علوم الحديث.

مولانا الشيخ ناظم: يا حاج! الصيدلاني له أنواع كثيرة من الأدوية. ولكن هل يجوز له أن يعطي نفس الدواء للكل؟

الضيف: لا يجوز.

مولانا الشيخ ناظم: مرضك أنت يختلف عن مرض غيرك. فالدواء الذي تحتاجه لمرضك لن يكون مناسباً لمرضه هو. أعرف أن أحمد الجبيلي يتمتع بعلم واسع. ولكن المهم أن تعرف كيف تخاطب كل واحد بما يناسبه. وهذا أمر في غاية الأهمية، وخصوصاً في هذا العصر. فما الذي حصل للإسلام في تركيا في المائة سنة الماضية؟ خلطوا الأمور ببعضها البعض. وأصبح كل شيء فوضى عارمة. كل واحد يقول شيئاً آخر. مزجوا الأمور ببعضها البعض، كما في "حمامات النساء". من لا علم له يخوض في قضايا الدين ويربكون عقول الناس. فالذي يتكلم بدون معرفة، فليتبوأ مقعده من النار! هذا ليس بالأمر الهين. لذلك، ماذا علينا أن نفعل؟ لم يبق في تركيا من يعرف ما هو الخير من الشر. وما هو الحلال وما هو الحرام. كل يعمل على حسب هواه. ويقولون، "كل مذهب يذهب". أصبح الناس هكذا الآن.

 

هذا ابني، زاده الله قوة ومعرفة. لا يوجد في تركيا من يعرف مثلما يعرف هذا، (يشير إلى ابنه). لم يبق في الأناضول رجل مثله. ربما هناك بعض المتعلمين في الولايات الشرقية، ولكنهم لن يستطيعوا أن ينافسوا الشيخ محمد. وهو يلزم الصمت، وأما الآخرون فينفخون في الأبواق. نصحته أن لا يخالط أمثال هؤلاء.

 

محمود أفندي، (شيخ أحمد الجبّة لي) عالم من علماء إسطنبول. وهو يدعي أنه مجدد القرن؛ قرن الـ 15 الهجري. ذلك الإدعاء ليس بالسهل. فمعنى هذا إحياء الدين الإسلامي في القرن الـ 15. ولكن السؤال، هل حقاً هو أهل لهذا الأمر؟ وهل أجمع العلماء على منحه هذا اللقب؟ أم أن هذا اللقب أطلقه جماعة من منطقته التي يعيش فيه؟ .. ما هو اسم مسجدهم؟

الضيف: مسجد إسماعيل آغا.

مولانا الشيخ ناظم: فهل صادَقَ على منح هذا الشيخ (محمود أفندي) لقب "مجدد القرن" 15 من العلماء يفهمون معنى هذا الكلام؟ فـصاحب هذا اللقب يهز العالم بقوة حضوره. أنا لا أتحدث عن قوته الظاهرة بل عن قوته الروحانية. جميع مشايخنا في السلسلة النقشبندية، كانوا جميعاً يحملون صفات "المجدد"، ولكنهم لم يدعوا شيئاً.

 

وعندما ذهبنا لزيارة محمود أفندي، لم يعط لنا حضوره انطباعاً قوياً. بل وجدنا رجلاً عاجزاً، يجلس على كرسي متحرك. والناس من حوله مرتبكون، يقولون للرجل، "نعم" في كل الأحوال. ولكن هل يفقهون على ماذا يقولون له نعم؟ إنهم لا يفهمون شيئاً. هم لا يعرفون شيئاً عن فحوى "مجدد القرن"، ولا عن أطره ولا عن حقوقه ولا عن تأثيره الروحاني. عليه أن يبين لهم كل ذلك.

 

كان مولانا الشيخ الأكبر، الشيخ عبد الله الفائز الداغستاني يقول، "لا بد للمرء من مرشد حسي أو منح للدلالات". أي لا بد للمرء من مرشد يرشده إلى الطريق الصحيح، سواء كان هذا المرشد من الأحياء (حسي) أو من الذين انتقلوا إلى البرزخ؛ في مقاماتهم (منح). كان مولانا الشيخ الأكبر، دائماً يقول لي، "ناظم أفندي ذكرهم بهذا!" تلك كلمات مليئة بالمعاني العظيمة. واجب على كل شخص أن يتخذ مرشداً سواء كان حياً أو يرقد في مقامه، وإلا سيضل الطريق.

 

فمثلاً على قبطان الطائرة، أن يعرف بالإضافة عن كيفية تشغيل أجهزة التحكم في الطائرة، قراءة خريطة الطيران. وإلا فسوف يحطم الطائرة على سفوح الجبال أو في الغابات. وكذلك العالم، بالإضافة إلى علمه، عليه أن يعرف الأسلوب الذي عليه أن يتبعه مع كل شخص على حدة. ولكن مثل أولئك العلماء لم يعد موجوداً. لذلك كان شيخنا الأكبر عبد الله الداغستاني يقول، "لا بد من مرشد حسي أو منح للدلالات". فالمرء بحاجة إلى مرشد ظاهراً وباطناً. بدون مرشد لن تجد طريقك.

 

الناس في عصرنا في حيرة وتخبط ويذكر حالهم بحال الطيار الذي يتخبط في قيادة الطائرة، وركاب الطائرة في حيرة يتساءلون، "هل وصلنا؟ .. أين وصلنا؟" .. وهذا الطيار ليس له دراية كافية في قراءة خريطة الطيران، ولا في معرفة أجهزة التحكم. يعرف فقط أن يقلع بالطائرة. ولا يعرف كيف يتحكم في الأجهزة، ولا في الاتجاهات، ولا أية جهة عليه أن يطير أو أين سيحط بالطائرة. أن تعرف أن تقلع بالطائرة شيء وأن تعرف أن توجهه وأن تعرف أن تهبط به بسلام شيء آخر. ولكن لا يحب الناس أن يذكرهم أحد بهذا. هل فهمت يا حاج أفندي؟ .. لم يعد هناك مثل أولئك العلماء يمكنهم توجيه الناس. انتهى!

الضيف: ألن يكون هناك مثل أولئك العلماء؟

مولانا الشيخ ناظم: سوف يقومون بإزاحة العلماء الحاليين، بأمر من صاحب الوقت! وسيأتي من بعدهم علماء ملهمون. نحن نعيش الآن في فترة انقطاع الخلافة، بعد سقوط الخلافة العثمانية. غفر الله لنا! الفاتحة.


 
  3092958 visitors