شمس الشموس
  10.04.2010
 




لكل واحد نجم ينسب له

سلطان الأولياء مولانا الشيخ ناظم الحقاني


لا إله إلا الله لا إله إلا الله لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. زده يا ربي عزاً وشرفاً ونوراً وسروراً وسلطاناً ورضواناً. مدد يا رجال الله، مدد يا سلطان الأولياء.

السلام عليكم أيها المستمعين المخلصين، الذين يطلبون الاستماع من الرجال الربانيين طوبى لكم في الدنيا والآخرة. وتعساً لمن يولّي دبره ويستشيط غضباً عند سماع الحقيقة أولئك مأواهم النار في هذه الدنيا وفي الآخرة. وعلامة الإسلام، أن نبدأ بـ "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم"، التي بمجرد قولها (بسم الله الرحمن الرحيم) يدخل المرء في دائرة الإسلام، انتهى. ومن يرفض يخرج من هذه الدائرة.

أيها الناس، السلام عليكم، مرة أخرى! كل مرة نقولها نسأل البركات أن تمطر عليكم من السماء، لتمنحكم حياةً حقيقية الوجود. لا تظنوا أن بقاءكم في الحياة متعلق بالغذاء المادي، وأنه يجعل عودكم يشتد. وإنما تستمدون طاقتكم للعيش من قوى سماوية. لكل واحد نقطة وصل للسماء منسوبة إليه. لذلك من العلوم التي وردتنا من الأنبياء، أن لكل واحد يعيش على الأرض نجم. ذلك النجم يظهر عند ولادة ذلك الشخص، وحياة ذلك الشخص تعتمد على ذلك النجم. لأن حياتنا لا يمكن أن تعتمد على الأكل والشرب، أبداً! إنما جعل الله سبحانه وتعالى الأكل والشرب والتلذذ بأطايب الطعام والشراب متعة لعباده ، لأن وجودنا الفيزيائي يستمتع كثيراً بالطعام والشراب. ومعلوم أن وجودنا الجسدي ينتمي إلى مرتبة الحيوانات. لذلك، نحب الأكل والشرب أكثر من أي شيء آخر. يكفي للمرء أن يأكل مرة واحدة طوال حياته! ولكن الناس يعتقدون بأنهم يستمدون الحياة مما يأكلونه ومما يشربونه ويجعلهم يكبرون ويشتد عودهم، حتى يصلوا إلى آخر أيام عمرهم الجسدي. لذلك، يسعى الناس إلى تحصيلها، وهذه فكرة خاطئة جداً.

القوة الحقيقية تأتي من السماء! أما الأكل والشرب فهو لإمتاع وجودنا الجسدي. ترى شخصاً يكاد أن يموت عطشاً، فإذا شرب كوب ماء ارتوى وانتصب واقفاً. ذلك الماء أعطى شيئاً لجسمنا، يجهزه لتلقي المدد من السماء. أو ترى شخصاً يموت جوعاً فإذا ناولته صحن مرقة يستعيد نشاطه بسرعة، (المرقة ليست الفاعلة!) لا يمكن أن تكون! ولكنها جُعلت وسيلة وسبباً؛ القوة الحقيقية التي تجعل الإنسان يتحرك على وجه الأرض، ذهابه وإيابه، نشأته وموته، كل شيء ينسب إلى نجمه. لذلك، لم يحظ بهذا التكريم إلا بني آدم عليه السلام. سبحان الله!

عندما أُخرج آدم عليه السلام من الجنة وأُهبط إلى الأرض، بقي أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب. ولم ينزل إلى جوفه طعام ولا شراب قط خلال تلك الفترة. وذلك ليبين للناس أننا نستمد حياتنا من السماء! لا تظنن أن ما تأكله أو تشربه يمدك بالطاقة، فتكبر ويشتد عودك، وتعيش مدة من الزمن، أبداً! عليك أن تعلم بأن آدم عليه السلام، خلال الأربعين يوماً كان ينظر إلى نجمه السماوي، فيمده بالطاقة. قد يبقى المرء خمسين يوماً وقد يكون خمسين عاماً (من دون طعام)! الملائكة لا تحتاج إلى طعام أو شراب. قوتهم السماوية تمنحهم طاقة تحيط بهم، لا يمكنك أن تتصورها! منذ آلاف السنين أو ملايين السنين أو بلايين السنين تعيش الملائكة، وهم لا يحتاجون إلى طعام أو شراب. عندما يولد الإنسان يظهر نجمه ، وهذا النجم يمده بمدد سماوي، فيبدأ جسمه ينمو وينمو!

ماذا تظن؟ أن لبن أمه يجعل الرضيع ينمو ويكبر؟ بواسطة الحليب؟ لا يمكنك أن تتصور! الحليب بذاته، لا يمكنه أن يفعل شيئاً. ولكن الله سبحانه وتعالى، خالقنا، صرف كل شيء بالقوى السماوية وجعل الحليب يغذي الطفل لينمو جسمه ويكبر.  سبحان الله! ليس الحليب من يقوم بهذا، ولكن عندما يولد الطفل، يظهر في السماء وجوده الحقيقي. وذلك (الوجود الحقيقي) يمده لينمو المولود الجديد ويكبر. ونموه متعلق بمنزلته في السماء، فسبحان الله العلي العظيم!

يظن الناس أن حياتهم تعتمد على الأكل والشرب، وأن صحتهم مرهونة ببعض الحبوب أو الأدوية التي يأخذونها. اتركهم وشأنهم! لذلك حياة الأنبياء عليهم السلام سماوية مئة بالمائة. هم لا يستخدمون أية أدوية، لأن قوتهم الحقيقية تأتي من السماء لأجسامهم، فتنتصب أجسامهم وتشتد. لذلك، الأنبياء لهم القدرة على فعل المعجزات والأشياء غير المألوفة. أما في عصرنا الحالي، أصبح المسلمون، وخاصة العلماء السلفيون، لا يتكلمون في مثل هذه المواضيع. لا يقولون للناس، "أيها الناس! لا تركضوا وراء أهداف (مقاصد) دنيوية". لماذا تركضون؟ هل تظن أنك ستخلد في هذه الدنيا؟ لماذا تجرون؟ ولماذا لا تنظرون إلى أعلى؟ أنظروا إلى أعلى، وسترون ما يحدث هناك، لأن الأكل والشرب سيجعل بينكم وبين الدرجات السماوية حجاباً كثيفاً.

ولكن علماءنا أيضاً يسعون وراء الحياة المادية. فهم لا يتكلمون عن التصوف ولا يهتمون بالروحانيات، لماذا؟ قيمتك من خلال كيانك الجسدي أم من خلال وجودك الروحي؟ لماذا لا تحذرون الناس؟ لماذا لا تقولون للناس أن يفيقوا من رقدتهم؟ "أيها الناس، أفيقوا وانظروا إلى أنفسكم كيف تمشون على الأرض!"

فكروا! ولكن ما هي آلة التفكير، وما هو مصدره؟ كيف يمكنكم أن تفكروا وتتصوروا الأشياء، عن طريق كيانكم المادي أم عن طريق (الروح) السماوية؟ لماذا لا تقولونها؟ فالناس بحاجة إلى معرفة مثل هذه الحقائق، وخصوصاً في هذا العصر؛ علينا ألا نعيش للأكل والشرب، والشرب والأكل، فهذا لن يفيدنا ولن يدعمنا في هذه الحياة. سبحان الله، سبحان الله!

الناس غير مهتمين في مثل هذه الأمور. فالشيطان يقول للناس فقط، "أيها الناس، عليكم أن تشتغلوا وتعملوا جهدكم في جمع المال!" ولكن ماذا ينفع جمع الذهب والماس واليواقيت والزمرد واللؤلؤ؛ ما هذا؟ أهذه غايتكم في هذه الحياة؟ لماذا لا يحاول علماء السلفية إيقاظ الناس؟ وشعبهم من أكثر الناس جمعاً للمجوهرات والذهب واللؤلؤ والكنوز! لماذا لا يوقظونهم؟ ولماذا لا يحذرونهم ويقولوا لهم، "أيها الناس، أنتم لم تُخلقوا من أجل هذه الأشياء!" ما هذا؟

كان في ما مضى رجل وجد صندوقاً من الكنز مملوءً بكل أنواع الأحجار الكريمة، من الزمرد والياقوت والذهب والماس واللؤلؤ. بُهت الرجل وتفاجأ وقال، "ما أسعد حظي! أنا محظوظ إذ وجدت مثل هذا الكنز!" فأخذه مسروراً. ووجد في الصندوق رسالة، كُتب فيه ...

أيها السلفيون، أنظروا ماذا يقول الله عز وجل في كتابه العزيز! (مولانا يقف تعظيماً للآية الكريمة): {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (176 الأعراف) أليست هذه آية كريمة من القرآن الكريم؟ " فَاقْصُصِ الْقَصَصَ"، أنتم لا تروون القصص بتاتاً، لماذا؟ لماذا تقولون "إسرائيليات"؟ ماذا تعني "إسرائيليات"؟ (مولانا يجلس).

يا علماء السلفية! أنا لا شيء، أنا عبد ضعيف، وإنما شيء ما يرِد إلى قلبي من عند أولياء الله لأذكّركم بعض القصص والوقائع الغير قابلة للتغيير. والشريعة تحثنا على سرد القصص، لأن الله سبحانه وتعالى يقول،{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ}. ولكن عندما نروي مثل هذه القصص، علماء السلفية ودكاترة الشريعة يقولون، "إسرائيليات!". وبني إسرائيل، هم الإثني عشر سبطاً من نسل سيدنا إبراهيم ومن نسل يعقوب عليهما السلام. ترد إلينا  مئات وآلاف القصص من شتى الأمم! يقول الله سبحانه وتعالى، {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، "لعلهم يأخذون العِبر والدروس من تلك القصص والروايات!" أي يمكنكم أن تستخدموا قصصاً من غابر الزمان! ولكنهم يتباهون قائلين، "نحن دكاترة ولسنا قصاصين، ونحن نتحدث على مستوى عالٍ!" العلوم من المستويات العالية لا تفهمونها وحتى هم لا يفهمونها!

جاءني مرة شخص يؤلف كتاباً عن قصص القرآن الكريم. فألقيت نظرة في فهرس كتابه، فأول ما وجدته هذه الآية الكريمة،{فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، التي لا تذكرونها أبداً! كم مرة ختمتُ القرآن الكريم من أوله إلى آخره ومن آخره إلى أوله، إلا أنني قرأت هذه الآية الكريمة، وكأنني أقرؤها لأول مرة!

هذا مهم جداً، إلا أن علماء السلفية يأنفون من سرد القصص الإسرائيلية. لماذا؟ لقد أُرسل إليهم ألف نبي ولكل نبي قصة. هل نترك أقوال الأنبياء وقصصهم؟ قصص الأنبياء قصص القرآن، فهم على وشك أن يقولوا أن القرآن الكريم أيضاً إسرائيليات! ما هذا؟ لقد ذُكرت قصص بني إسرائيل في القرآن الكريم على امتداده، ولكن هؤلاء الدكاترة لديهم أنفة وكبر نفس، فهم يأنفون عن أن يتحدثوا مثل رواة القصص. "إنما نحن دكاترة"! إذن فارووا قصة واحدة! فعندما تروي قصة تنفتح أعين الناس على وسعها، وعندما تحدّث الناس عن هذا وعن ذاك يغشاهم النعاس! لا يهم أن تكون القصة واقعية أو غير واقعية. "الْقَصَصَ"، ال التعريف يشير على الجنسية والعهدية والاستمرارية. {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ}، فهل عُينت القصة أم المقصود مجرد قصة؟ عندما تقصص يمكنك أن تأخذ العِبر والحِكم!

نرجع إلى القصة أعلاه: فعندما وجد الرجل صندوق الكنز، كان مندهشاً ومسروراً في آنٍ واحد، ولكنه وجد داخل الصندوق رسالة يقول فيها: "أيها الرجل الذي وجد هذا الكنز، أنا صاحب هذا الكنز! .." خذوا بعض العبر، يا علماء السلفية ويا دكاترة الشريعة! ويستطرد قائلاً، " أنا صاحب هذا الكنز، كنت ملكاً ذات يوم، وكان ملكي يمتد من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وقد جمعت كل هذه الثروات والكنوز. ولكن رب السموات الذي خلقني ابتلاني وأراد أن يجعلني عبرة لمن يأتي بعدي من جميع الأمم. أنا الإمبراطور، الذي ملك الشرق والغرب، قد جمعت كل هذا، ولكن ربي أنزل علي بلاء عظيماً لأنني لم أشكره ولم أقل "الحمد لله!" فأصاب بلدي بالقحط، فيبس كل شيء؛ يبست المياه والحقول والبساتين، لم يبق أي شيء! وبدأ الناس يموتون جوعاً وعطشاً.

 

وكنت أنا أيضاً أطلب الطعام والشراب، فبعثت أحدهم بسلة مليئة من الذهب إلى المدينة، فيقول: "من يأتيني بقطعة من الطعام وبكوب من الماء، فله هذه السلة". وكان يدور في الشوارع يسأل الناس قطعة خبز أو كوب ماء فلا يجدها. وفي اليوم الثاني بعثت معه سلة مملوءة بأغلى الجواهر من اللؤلؤ والماس، فذهب يسأل الناس، "من أحضر لي كوباً من الماء وقطعة من الخبز فله هذه السلة". فأصبح يدور بين الناس ويسأل عن كوب ماء وقطعة خبز من الصباح إلى المساء ولم يجد أحداً يعطيه. وعندما فقدت الأمل، أمرت الخدم أن يطحنوا المجوهرات وكان هناك كوب صغير من الماء، فوضعت فيه تلك المجوهرات المطحونة فشربتها، فسد هذا أمعائي فكان موتي".

أيها الناس! أنظروا وخذوا العِبَر، خذوا ما ينفعكم! لماذا لا تروون مثل هذه القصص للملوك ، للمشايخ للعلماء وللسلاطين؟ لم لا تقصون؟ إذا كان الله سبحانه وتعالى يروي لنا القصص، فما الضير في أن تفعلوه أنتم؟

أيها الناس! لا تعتمدوا على ما جمعتم، وإنما عليكم التوكل على ربكم، الله سبحانه وتعالى، واسألوه من مدده السماوي. لا تظنوا أنكم تذهبون وتأتون وتمشون وتقومون بقوة أجسامكم المادية، وإنما كل ما يصدر منكم يُنسب إلى نجمكم السماوي. كونوا شاكرين لربكم، وكونوا عباداً طائعين لربكم، الله سبحانه وتعالى، لتكونوا من الناجين والمحفوظين في الدنيا والآخرة! {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، (يوسف 64).

 توبة يا ربي، توبة يا ربي، توبة أستغفر الله! فاعف عنا يا كريم بجاه من أنزلت عليه سورة الفاتحة.

دوم دوم دوم دوم، دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم، دوم دوم دوم دوم

دوم دوم دوم دوم، دوم دوم دوم دوم

 

توبة يا رب، توبة يا رب!

تبنا إليك، تبنا إليك!

توبة يا رب، توبة يا رب، توبة أستغفر الله!  الفاتحة.


 
  3004496 visitors