شمس الشموس
  24.02.2010
 



ليلة المولد النبوي المعظمة


اللهم يا رب اجعلنا في كنف الله وكنز الله وأمان الله. السلام عليكم أيها المستمعون الطالبون للمعرفة فأنتم ونحن بخير. نطلب المزيد من عظمة السماء تلك العظمة التي لا تأتي من تلقاء ذاتها لكنها تأتي بمعية الأولياء. كما ينزل المطر بعون السحاب, فإنه لكل سبب مسبّب. وكذلك البركات لا تنزل لوحدها ولكنها تأتي بمعية أولياء الله الصالحين فتنهمر على من يطلبها كما ينهمر المطر.

هذه الليلة هي ليلة مباركة فهي ليلة مولد خاتم الأنبياء أعزّه الله وأكرمه وأنزل عليه من مطر البركات ما تقرّ بها عينه فإنه أهل لها. فهو أشرف خلق الله عند الله وأعظمهم درجة وأرفعهم منزلة. لولا وجوده بيننا ما وُجد شيء ولا ظهر للوجود كما يقول الله عزّ وجلّ في حديث قدسي"لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك " ولا أحد يعرف متى دار هذا الحوار.

ايها الناس علينا ان نتعلم وان نحاول قدر المستطاع ان نؤمن. فالعلم والمعرفة هما شيء أما الإيمان  فهو شيء آخر . فربما عرفت شيئا لكنك لن تكون قادرا  على معرفة كل شيء من خلال هذه المعرفة وهذا العلم. أما إذا آمنت فهذا شرف  عظيم  وهبة ومنحة  من الله تعالى لنا وهذا الشرف الذي نحصل عليه من الإيمان لا يستطيع احد ان يحصيه إلا خالقه. فما هي حقيقة الإيمان؟

أولا مرحبا أيها العلماء السلفيين أنتم من أخاطبه الآن وأقول لكم لا تضعوا دائرة العلم الذي تعلمتموه وتقولوا هذه اقصى درجات العلم وما بعدها لا يمكن القبول به. لا. فهذا خطأ. الفهم والفقه والمعرفة هم من الله عزّ وجلّ ولا يمكن لهبة من الله ان تكون محدودة ابدا. ولهذا أقول لمن اتبعكم اخرجوا من هذه الدائرة التي وضعتموها حول هبة الله ومنحه وعطاياه .إن تعدوها  فستجدون أن لها آفاقا أبعد من الآفاق التي وضعها السلفيون في دائرة محكّمة مغلقة. واعلموا أن هذا الوقت هو وقت القرآن الكريم. فإن كنتم على استعداد وتأهيل ستحصلون منه على مفاهيم  وآفاق جديدة  فلا تتوقفوا  انطلقوا.

وكذلك الأمر لعلوم الرسول المأخوذة  من الله عزّ وجلّ فإنها لا نهاية لها ولا حصر وكلما وصلتم فيها الى درجة فإن درجة جديدة ستفتح عليكم لتنهلوا من هذا العلم . فانظروا الى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم حصلوا على أعلى درجات  الفهم والعلم  ومع كل هذا كانت مفاهيمهم مختلفة  كل واحد يفهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا مختلفا وذلك حسب استعدادهم وقابليتهم للإدراك. كل  واحد منهم كانت له درجة فريدة ووحيدة في الفهم والتعلم.

هناك حوالي 124000 صحابي جليل كل واحد  منه له رتبة ودرجة من الفهم لا تجدها لأحد غيره ولا تجد اثنان منهم يقفون على نفس الدرجة. وعامة الناس لا تستطيع ان تكون أبدا على نفس مستوى علم وفهم الصحابة رضي الله عنهم. ومع عظم فهمهم وعلمهم وإدراكهم  فإن الصحابة رضوان الله عليهم  لن يصلوا ابدا الى مرتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك كبار الأنبياء وأولي العزم منهم سيدنا ابراهيم  وسيدنا موسى وسيدنا نوح وسيدنا عيسى عليه السلام مع عظمتهم فإنهم لم يصلوا الى مرتبة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه فرتبة حبيب الله  ومنزلته هي رتبة دائمة الارتقاء والترقي. فلا تحاولوا الوصول الى درجته ومنزلته من علم ومعرفة . فإنه اذا لم يكن هناك إذن منه لكم فإنكم لن تستطيعوا فهم ما تريدون فهمه.

ولهذا احذروا أيها العلماء السلفيين مرّة أخرى وأُنذركم بعدم وضع حدود للعلم والمعرفة. فإذا كانت علومهم محدودة فهذا لا يعني أبدا ان العلوم محدودة. وأما عن العلماء الآخرين فإنهم ايضا لم يصلوا الى مرتبة  الصحابة الكرام ولا حتى الى مراتب  التابعين وتابع التابعين "لهم باحسان ". فلا تدّعوا ايها العلماء بأنكم الوحيدين الذين يسيرون على طريق الصواب وأنه من لا يتبعكم فهو ضال يسير على الطريق الخاطئ. اتركوا هذه السخافات واتبعوا من اتّبع الرسول صلى الله عليه وسلم  واتبّعوا أصحابه الكرام. وإلا فإن غضب الله  نازل عليكم فيأخذ بكم وبعقولكم خافوا ربكم واحذروه.

أيها العلماء لا تحكموا على العالم الإسلامي بالجهل ولا تزعموا بأنكم أنتم العالمين  فإن قلتم هذا فهاتوا برهانكم. هناك ملايين الملايين من الكتب المليئة بالمعرفة والتي يعتمد عليها العلماء في مراجعهم والتي هي منابع المعرفة المأخوذة عن الرسول عليه صلوات الله وسلامه والذي هو بدوره أخذها من القرآن الكريم عن الله وكلامه. وما هذا الا نقطة صغيرة من محيطات المعرفة الالهية ولو كانت سور القرآن 200 سورة بدلا من 114 لما كانت الارض لتتحملها وما كان الوجود ليحمل عظمتها. ولهذا نرى  أن لا أحد يستطيع حملها, فحفظها الرسول عليه صلوات الله وسلامه وكان يعطي منها عطاء لا نفاذ له. ولو أردنا كتابة وشرح ما أعطانا لنفذت الكتابة  وما جفّ هذا النبع الذي ينبع من عنده .حول هذه النقطة يوجد جدال كبير لأننا لا نقبل الخطأ وكل من يتخطى حدود الأدب " في الجدال حول أمثال النقطة  السابقة" فإنه سيقع في ظلمات لا يخرج بعدها للوجود أبدا.

هذه الليلة كما قلنا هي ليلة مباركة معظمة عند الله سبحانه وتعالى لأنها ليلة ظهور نجم محمد صلى الله عليه وسلم في سماء الملكوت  أحب عباد الله الى الله وخليفته الحقيقي الوحيد وممثله الشخصي في خلقه, فنحن نعلم بأن لكل منّا نجمة تظهر في سماء الوجود عند ولادتنا. وعندما تخرّ هذه النجمة يُؤخذ صاحبها من الوجود عن سطح الارض وتنتهي حياته. والمعلومات عن ظهور نجم محمد صلى الله عليه وسلم مكتوبة ومشهورة ومعروفة للعلماء لأنها مذكورة في السيرة النبوية  وأمثال هذا الكتاب فيه من المعلومات ما يكفي البشرية. ربما تحتوي على كل  شيء من حياته وسيرته  ولكن فيها لكل طالب شيئا. وفي السيرة النبوية ذُكر نجم محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا فنحن نؤمن بأن لكل إنسان نجم خاص يظهر للوجود عند ولادته ويختفي عند موته .

كل الأنبياء لهم نجم خاص بهم وهذا معلوم للجميع أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم وأما بالنسبة لنجم سيدنا محمد فقد أخبرتنا الأحاديث  بأنه في اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة كان رجل من اليهود يركض في شوارع المدينة المنورة ويصرخ بأعلى صوته  لقد ظهر نجم أحمد, لقد ظهر نجم أحمد. فهم اليهود يعرفونه حق معرفته ويعرفون اسمه  فكل البشارات مكتوبة في توراتهم. وكذلك بُشّر بمحمد في الإنجيل على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي  اسمه احمد.} ونعود لذلك اليهودي الذي كان يعرف عن الرسول صلوات الله عليه وأخبرهم عن ظهوره عندما رأى النجم الخاص بظهور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فنعرف من ذلك أنه حتى  في التوراة هناك إخبار عن وجود نجم لكل مولود. وكل نجم معروف باسم صاحبه آلاف من الأسماء  وكل اسم يختلف  كل الاختلاف عن  الاسم الآخر كما أن كل شخصية وكيان يختلف  كل الاختلاف  عن الشخصية الأخرى وكيانها. لقد ظهر نجم أحمد خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم معلومة من المعلومات موجودة  في كتاب مقدس نطق بها يهودي وأعلنها للناس كلهم وسرى تأثير وجودها عليهم كما تسري الكهرباء وتصدم ما يتصل بها " من أجساد غير معزولة". 

أيها الناس إن أعظم منحة منحها الله لكم أن توقنوا حق اليقين بأن الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو الخليفة الحقيقي الوحيد لله عزّ وجل  ومن يوقن بهذا حقّ اليقين  فهو أسعد الناس  دنيا وآخرة وأكثرهم إشعاعا ونورا . وأما من ينكر هذه الحقيقة السماوية  فما له من نصيب في الملكوت الأعلى وما له نور بل الظلمة  الداكنة السوداء  هي ما ينتظره وهي مقامه الذي لا فرج ولا مخرج له منه .

أيها الناس حاولوا فهم  بعض الشيء عن حقيقة هذا الشريف المبارك من الأزل . وما هو الأزل؟ وأين يبدأ الأزل؟  لا أحد يدري! والى الأبد. أين ينتهي الأبد؟ لا أحد يدري! إن حقيقته أزلية أبدية. وبين الأزل والأبد  تكون أماكننا. بعض منّا يكون مكانه على اليمين فيكون من أصحاب اليمين السعداء والبعض الآخر يتيه في الظلام ولهذا أقول لكم حاولوا قدر المستطاع أن تكونوا من أصحاب النور  لتعيشوا النور الأبدي  الذي يمنحه الله لكم ويبارك لكم فيه من خزائن السموات التي لا تنفذ أبدا. لا تضيّعوا أوقاتكم الثمينة  وتهدروها عبثا كونوا في حالة توبة دائمة . فتوبوا لله واستغفروه خصوصا في هذه الليلة  المباركة المعظمة التي وُلد فيها  أشرف خلق الله . كونوا مسرورين.

وأنا أسأل الله في هذه الليلة الفضيلة أن يرسل علينا موجة نور تعمّنا جميعا وتصل الى قلوبنا لتهزّها وتوقظها  لنصحو من ثمالة الدنيا. افتحوا عيونكم  وانظروا يمينا وشمالا والى كل جهة لتتوسّع مدارككم ولا تقفوا عند حذّ معين بل حاولوا الترقي دائما مع انه من المستحيل  الوصول الى الحقيقة المحمدية ولكن ربما وبفضل الله نصل الى هالة النور التي تحيط بوجوده .اللهم زد حبيبنا وحبيبك محمد عزا وشرفا  فوالله لو وقفنا من الأزل الى الأبد ندعو الله" ما أعطيناك حق قدرك". إن الله اذا منح لأحد شرفا  فإن الانسان  يعجز أن يرى أول هذا الشرف  وآخره.

لا إله الا هو إلا هو إلا هو

اللهم ألبسه من خلعك. خذه من عالم الناسوت وألبسه من خلع  اللاهوت. اللهم إنا نعلم ان هذه الليلة مباركة عندك  لكن من المستحيل علينا ان نعلم أو نستدرك ما يدور في الحضرة الالهية عندك بسبب هذه الليلة. السموات كلها تزينت بالنور الذي لا يستطيع أحد أن يتخيله والملائكة ألبست لباس العظمة.لكننا لا نرى ولا نفهم شيئا من ذلك لأننا سكارى وأغبياء عمت الدنيا عيوننا وطمست على إدراكنا .

 اللهم وبحق أشرف الخلق عندك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ألهمنا الفهم والإدراك فنحن نعلم حقّ العلم بأنك لا تمنح أحد شيئا من منحك وعطاياك إلا بحق سيدنا محمد عندك فتمنح الناس على قدر مراتبهم وكما أنك لا تمنح شيئا لأحد يشابه ما منحته لغيره.

أيها الناس اذا أردتم السعادة غدا فحاولوا أن تتعلموا وتعلّموا لتعيشوا في سعادة وغبطة وسرور. ولتدخلوا محيطات المنح والعطايا التي لا نفاذ لها. غفر الله لي ولكم . بحرمة هذه الليلة المعظمة والمباركة بفضل مولد صاحبها أعز خلق وأشرف خلق الله نورا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. كلنا فداء لك يا أحب محبوب  ويا أشرف الخلق أجمعين  يا من شرّفه الله وأعلى رتبته عنده في حضرته الالهية! اللهم يا ربي زده عزا وشرفا ونورا وسرورا ورضوانا وسلطانا.

 
  3001654 visitors